سليمان الضحيان
سليمان الضحيان
كاتب واكاديمي سعودي

نقد الوهابية

آراء

(الوهابية) مصطلح يطلق على حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792م)، وهو مصطلح أطلقه خصوم الحركة في خضم صراعهم مع الحركة، وكان إطلاقـه محاولة من خصومها لترسيخ الاعتقاد لدى جمهور المسلمين بأن الحركة تدعو لمذهب جديد له أصول دينية تخالف بقية المذاهب السنية، وقد نجحوا في هذا مما دفع أتباع الحركة لتكثيف التـأليف لتوضيح أن الحركة إنما هي امتداد لتعاليم السلف في قضايا العقيدة، وانتماء لمذهب الحنابلة في قضايا الفقه، لكن مصطلح (الوهابية) ما لبث أن وجد قبولا لدى أتباعها؛ فقد عنـون سليمان بن سمحان – من علماء الحركة وشعرائها – كتابا له بـ(الصواعق المرسلة الوهابية على الشبه الداحضة الشامية)، ويقول الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد – أحد مؤرخي الحركة – مشيرا إلى تحول اللقب إلى مجرد مصطلح إجرائي تعريفي: “تحول ذلك اللقب – الوهابية – بصورة تدريجية إلى مجرد لقب لا يحمل أي طابع للإحساس باستفزاز المشاعر، أو أي معنى من معاني الإساءة، وصار مجرد تعريف مميز لأصحاب الفكرة السلفية، وماهية الدعوة التي بشر بها الشيخ الإمام محمد بـن عبد الوهاب، وأصبح هذا اللقب شائعا ورائجا بين الكتاب والمؤرخين الشرقيين والغربيين على حد سواء، ومـن ثم فليس هناك ما يسوغ هجر استعمال تلك الكلمة، كتعريف شائع”، وكما شغلت الحركة الوهابية وأفكارها معاصريها فما زالت إلى اليوم تثير عواصف من النقد المتبادل بين خصومها ومؤيديها؛ فمؤيدوها يرفضون أي نقد يوجه للحركة وأفكارها، وخصومها تحول كثير منهم من النقد إلى الهجاء المحـض حتى وصل الأمر ببعضهم إلى اتهامات طفولية مضحكة؛ كاتهام مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه ذو أصول يهودية، وبعضهم اختلق مذكرات باسم ضابط بريطاني وهمي؛ وأسماها (مذكرات مستر همفر)، ونسب إليه تأسيس الحركة ورعاية الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

والحركة (الوهابية) بعد ذلك كله حركة دينية اجتهادية كبرى، قامت وفق شروط واقعها آنذاك، وقراءتـها يجب أن تكون وفق منطق زمانها.

ومحل الإشكال في النظرة لـ(الوهابية) أن مؤيديها يصورونها بصورة متعالية على الواقع بصفتها أنموذجا يتصف بصفة الديمومة، وخصومها يحاكمونها بمنطق واقعنا المعاصر، وأحسب أننا مهما اختلفنا في موقفنا من (الوهابية) إلا أن الجميع لا يملك إلا الإقرار بأنها نجحت نجاحا باهرا في أمرين؛ الأمر الأول: تغليب منطق الدولة على منطق القبيلة، فأقامت دولة مترامية الأطراف تعادل مساحتها مساحة أوروبا الغربية، تضم غالب الجزيرة العربية؛ وهي أول دولة عربية كبيرة تتأسس بعد الدولة العباسية؛ إذ إن الدول التي قامت بعد العباسيين كالدولة الأيوبية، ودولة المماليك، ودولة المرابطين، ودولة الموحدين، ودولة العثمانيين، كانت السلطة الحاكمة في تلك الدول ليست سلطة عربية، وهذا الأمر إنجاز كبير يحسب للآباء المؤسسين لتلك الدولة وهم قادة الحركة الوهابية؛ الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والأمير محمد بن سعود، وابنه عبد العزيز بن محمد، وابنه سعود بن عبد العزيز.

والأمر الثاني: أنها رسخت النظرة العقلانية التجريدية في قضايا التعبد الديني؛ وذلك بربط المسلم بالله مباشرة، ورفض أي وسيط مهما كان، إذ حاربت طقوس الهوس الديني بالقبور والأولياء والأئمة والصالحين، كالبناء على قبورهم، والتمسح بها، والطواف حولها، والاستغاثة بهم، وطلب الحاجات منهم، وقضت على الولع بالأولياء والأئمة والبحث عن كراماتهم، ولهذا نجد المجتمعات التي تبنت الفكر الوهابي تخلو من مزارات الأولياء المبجلة، وعتبات الأئمة المقدسة، وما يصاحبها من هوس ديني بتخصيص أياما صاخبة بالتجمعات للاحتفال بمولدهم، وأياما أخرى للتذكير بيوم مماتهم.

هذا النجاح الباهر بتحقيق الأمرين اللذين ذكرتهما هو ما يجب على أتباع الحركة الافتخار به، والدفاع عنه، وتقديمه للعالم ممثلا للحركة وإنجازاتها، وأما بقية أفكار الحركة وأطروحاتـها، خاصة المبالغة في قضايا الولاء والبراء، وقضايا التكفير، وما يتفرع عنهما من أفكار فقد آن الأوان أن يقوم أتباع الحركة أنفسهم بنقد ذاتي للمبالغات التي حدثت في مجالي التنظير لهذه الأفكار، وتطبيقها، وكل حركة فكرية لا تمارس النقد الذاتي وفق ظروف الزمان والمكان فمآلها إلى زوال.

المصدر: مكة أون لاين
http://www.makkahnp.com/makkahNews/writing22/77655