عبدالله الربيعان
عبدالله الربيعان
أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية

يوم لا يحب السعوديون تذكّره!

آراء

مرت يوم أمس الأول الذكرى الثامنة لـ 26 شباط (فبراير) 2006، وهو اليوم الذي تمنى السعوديون لو أنه لم يكن من ضمن أيامهم. 26 شباط هو يوم انفجار فقاعة الأسهم السعودية، وهو يوم تبخر أحلام كثيرين بالثراء، وهو اليوم الذي يسدد بعض الناس الديون بسببه إلى اليوم.

ما الذي حصل في ذلك اليوم؟ قصة تتكرر بأكثر من سيناريو. فكوارث الأسهم تتشابه من نيويورك، إلى طوكيو حتى الرياض. والفقاعة، لا تقف احتراماً للأسماء ولا للتاريخ، فلا فارق عندها بين «داو جونز»، ولا «نيكاي»، ولا «تاسي» (مؤشر السوق السعودية). وليس الغرض بالطبع هنا المقارنة، ولكن وصف بعض ما حصل في عاصمة السعودية.

تاريخياً نشأت سوق الأسهم السعودية على أنقاض «سوق المناخ» في الكويت وهي سوق غير رسمية للأوراق المالية سبقت إنشاء السوق الرسمية في 1983. فبعد انهيار سوق المناخ في الكويت عام 1982، خشيت الحكومة السعودية من انتقال العدوى لأراضيها، فشكلت في 1983 لجنة ثلاثية من وزارتي المال والتجارة والبنك المركزي «ساما»، لإنشاء سوق رسمية محلية للأسهم.

وانطلقت السوق السعودية رسمياً في 28 شباط 1985 (وهو بالمصادفة تاريخ اليوم)، بأربعة قطاعات، و48 شركة مساهمة. وبين ذلك التاريخ ونهاية 2001، والسوق لا تلفت نظر أحد سوى أيام الطروح الكبيرة مثل طرح أسهم «سابك» في 1985، و»صافولا» في بداية التسعينات. وسرعان ما تعود لاستقرارها، وركودها الذي لا يغري أحداً.

في نهاية 2002، ومع إعلان طرح 30 من أسهم شركة الاتصالات، وزيادة عائدات النفط، وبالتزامن مع عودة أموال كبيرة للسوق المحلية بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بدأت كرة الثلج الصغيرة تكبر يوماً بعد آخر. وأصبحت السوق تجذب مزيداً من المتداولين، تحت إغراءات العائدات التي تحققها يومياً تارة، ومن خلال أرباح الطرح الأولي للشركات الجديدة في السوق. وفي 2003 وكذلك في 2004، أصبحت السوق العنوان الرسمي للسعوديين، وأصبحت صالات التداول أماكن للقاء بقية أفراد العائلة والأصدقاء.

وفي أواخر 2004، كانت الإحصاءات تتحدث عن تزايد أعداد المتداولين من 50 ألف شخص فقط قبل ثلاث سنوات إلى ما يزيد عن 1.5 مليون متداول. وفي 2005، كان العدد يصل إلى 3.5 مليون مع الأخذ في الاعتبار استخدام الأسماء في بطاقات العائلة للاكتتابات الأولية. وكان الجميع مشغولين بالسوق، ومنعت بعض الشركات الكبيرة اجتماعات العمل بين العاشرة صباحاً والثانية عشرة ظهراً وهو موعد فتح السوق في فترتها الأولى.

وأصبحت مصطلحات «نسب» و»دعم» و»مقاومة» و»ارتداد»، وغيرها تتداول بكثرة على ألسنة السعوديين. وتسمر كثيرون خلف شاشات التلفزة ولوحات مفاتيح الحواسيب انتظاراً لجرس الافتتاح أو الإغلاق. وأضحت عروض الأسهم في السوق شبه معدومة، والمحظوظ هو من يستطيع اصطياد فرصة للشراء في أي شركة وبأي سعر.

وعلى رغم خروج بعض الأصوات المحذرة هنا وهناك، إلا أن الآذان لا تسمع، أو هي حقيقة لا تريد السماع، والعقل الباطن لا يستجيب ولا يتخلى بسهولة عن أحلام الثراء الذي تدغدغه كلما آوى إلى فراشه. وكانت جهات السوق المسؤولة تطمئن الناس إلى أن «الوضع تحت السيطرة» وإلى «القدرة على التدخل لإعادة السوق لو جنحت عن مسارها»، وهو ما زاد الناس تمسكاً بالأحلام الوردية. ولأن البالون كبر فجأة وزاد حجمه، لم يكن الأمر بحاجة إلى أكثر من إبرة صغيرة لينفجر. وكان قرار هيئة السوق خفض نطاق التذبذب اليومي للأسهم من 10 إلى 5 في المئة القشة التي قصمت ظهر السوق. وبدأت السوق أسبوعها الأخير في شباط بالانهيار، وتستمر المؤشرات في النزف بحد الانخفاض الأقصى يوماً بعد يوم.

واستمر الوضع لثلاثة أسابيع: عروض بالملايين، يقابلها صفر طلبات. وبدأت المصارف بتسييل محافظ المتداولين لاستيفاء قروضها. واختفى مسؤولو السوق حينما دعت الحاجة إلى تدخلهم، واستمرت السوق تنزف أمام العيون وتجمدت الدماء في عروق المتداولين. ولا داعي لشرح بقية القصة، فهي معروفة.

سيبقى 26 شباط قصة بائسة يرويها السعوديون لأولادهم وأحفادهم. هي قصة يتداخل فيها الطمع، وعدم القناعة، والسير خلف الجموع، تتكرر في مشارق الأرض ومغاربها، يضاف إليها عندنا ضعف الوعي، وسوء الإدارة. هي قصة لم يتبق للسعوديين منها سوى الذكريات المريرة، والتندر على بعضهم بعضاً في لقاءات الاستراحة، يا «رجال من شفتك في السوق وأنا غاسل يدي»، ليرد الآخر «كلها من توصياتك يافالح»، ليضحك الأول والثاني والبقية ببلادة وحسرة، وكل فقاعة والجميع يضحك!

المصدر: الحياة