ريكارد: السعوديون عاشوا حلم الأقوى والأفضل وتوقفوا عن العمل 8 أعوام

أخبار

«من الصفر» ربما أن العبارة الأهم التي قالها واضع اللبنة الأولى لبرشلونة الحديث، «علينا أن نبدأ من الصفر قبل أن ننجح في بلوغ الخطوة التالية»، ردد مدرب المنتخب السعودي الهولندي فرانك ريكارد هذه الجملة غير مرة مصراً على أن العمل على الفئات السنية وحده قادر على صناعة منتخب «أخضر» مميز.

لكن النجاحات السريعة والانتصارات الكبيرة ومناطحة عمالقة آسيا كلها أحاديث بدت بعيدة عن حديث ريكارد لـ«الحياة»، فالمدرب الهولندي يصر على أن الكرة السعودية توقفت عن الحراك منذ أمد بعيد، وأن عودتها تتطلب عملاً حقيقياً يبدأ من لاعبين لا تزيد أعمارهم على عشر سنوات، هم في حقيقة الأمر غائبون عن المشهد الرياضي السعودي بينما يتصدرون نظيره الأوروبي. تفاصيل أكثر عمقاً ودقة في ثنايا حوار فرانك ريكارد الآتي:

> أكثر من عام يفصلنا عن اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماك أرض السعودية، ما الفارق بين ذلك اليوم واليوم؟

– لا يمكننا المقارنة فأنا أرى أن الكرة في السعودية ما زال ينقصها الكثير قبل استكمال الجوانب الاحترافية على الأصعدة التنظيمية والإدارية والتدريبية والفنية كافة، فعندما تسعى إلى أن تكون محترفاً عليك العمل على استكمال الجوانب كافة، وفي الوقت الحالي يجب ألا نسعى إلى التفكير في المرحلة الحالية فقط، بل علينا التفكير بالمستقبل من خلال العمل على القطاعات الناشئة، والقيام بالجهد اللازم من أجل تجهيزهم، لكي يقوموا بالأدوار المطلوبة منهم لاحقاً كلاعبين محترفين بمعنى الكلمة، سواء داخل الملعب أم خارجه.

> على أرض الواقع هل وجدت الوضع الاحترافي في السعودية مشابهاً لما نقل إليك قبيل توقيع العقد؟

– مما سمعته عن السعودية قبل التوقيع نما إلى ذهني أنها إحدى أقوى الدول كروياً عربياً وخليجياً، لكن ما شاهدته هنا يجعلني أقتنع أن دولاً كثيرة في العالم العربي أو حتى في الخليج تقدمت بشكل لافت وأكثر مما يتصور البعض، ومن وجهة نظري الشخصية لا أجد حالياً فارقاً كبيراً كروياً بين دول الخليج.

> الشارع الرياضي السعودي لا يزال يرى أن المنتخب السعودي يجب أن يكون أفضل من نظرائه في الدول العربية والآسيوية على رغم أنه يرى التقـــدم الواضــــح حالياً في دول مثل قطر والأردن ولبنان وغيرهم …

– كلامك سليم فالشارع يرى أن كل هؤلاء تقدموا على أرض الواقع، لماذا لأننا ظللنا نعيش في أحلام تقول إننا الأقوى والأفضل! تلك المرحلة التي كنت تظن فيها أنك الأفضل من دون أن تفكر في المستقبل انتهت، يجب أن تكون الأفضل وتفكر في المستقبل، لكي تكون الأفضل فعلاً عليك بالتخطيط والعمل والتطوير، وكما ذكرت لك سابقاً يجب أن نفكر في الفئـــات السنية خلال المــــرحلــة المقبلــــــــة، لأن هــــــؤلاء هم الحصاد في المستقبل، وأعتقد أننا في السعودية منذ ثمانية أعوام توقفنا عن العمل واكتفينا بما تحقق وما وصلنا إليه، في كرة القدم يجب ألا يتوقف العمل، لأن ذلك لن يجعلك تقف في مكانك بل سيقودك إلى التراجع، وهذا ما حدث في الكرة هنا منذ ثمانية أعوام، غاب التقدم الملحوظ، وهذا حدث وانتهى والآن علينا العمل.

> كنت شريكاً أساسياً في التخطيط للفئات السنية في نادي برشلونة، والنتائج المميزة التي تحققت استغرقت ستة إلى سبعة أعوام، هل سنحتاج إلى المدة ذاتها في السعودية لتحقيق نتائج مميزة؟

– عندما عملت في برشلونة كان هناك خطة محددة تم وضعها والالتزام بالسير عليها بحسناتها وسيئاتها كافة، حتى أنتجت ما أنتجته من مستويات ترونها حالياً، نحن في السعودية يجب أن نضع الخطة التي ينتظر أن نسير عليها، إضافة إلى الهدف الذي يجب أن نبحث عنه ونلتزم به من دون التأثر بالعوامل خارجية، ومن الخطأ أن نضع خطة معينة اليوم، قبل أن نقوم غداً بتغييرها والبحث عن خطة بديلة، ومن ثم بعد الغد إلى خطة أخرى، بهذا الأسلوب ستراوح مكانك، يجب أن نضع أمامنا خطة يتم رسمها بعناية وأن نبدأ الالتزام والعمل بموجبها، أما طريقة اليوم نعم وغداً لا، وأترك هذه النقطة إلى وقت آخر، فهذه الطريقة لا تجدي نفعاً، القائمون على برشلونة كما قلت وضعوا مخططاً وساروا عليه والتزموا به.

> ما المدة الزمنية التي وضعتها في مخططك لتحقيق النتائج؟

– من الصعب تحديد المدة، نحن في حاجة إلى عمل كبير وإلى مساندة ودعم من النواحي كافة المادية وغيرها، وتوفير كل الحاجات اللازمة من أجل تحقيق النجاح، التخطيط والعمل لن تظهر نتائجهما بين يوم وليلة، يجب أن تخطط من الآن للمراحل السنية من عشرة أعوام فما فوق وحينها من الممكن أن تحقق نتائج في سبع أو ثماني سنوات، والسبب يعود إلى أن الكرة السعودية تمتلك المواهب التي من الواجب صقلها بطريقة مميزة، وهذا الصقل يأتي عبر مراحل وأعوام، قد يأتي في سبع أو ثماني سنوات يوم تحصد فيه السعودية النتائج وتعود إلى القوة التي كانت عليها، وتكون «أسداً» بمعنى الكلمة، نحن نرى اليابان اليوم كقوة لا يستهان بها كروياً، ليس على الصعيد الآسيوي فحسب، وإنما حتى على الصعيد العالمي، اليابان كانت في السابق تتلقى الخسائر من الكثير من الدول، والسعودية كانت تتفوق عليها وتفوز بنتائج مختلفة وبفارق أهداف عدة، لكنهم درسوا الوضع ووضعوا مخططاً وساروا عليه، واعتمد مخططهم على إرسال لاعبين إلى خارج اليابان لممارسة اللعبة هناك، واستدعاء أجهزة فنية إلى اليابان وأمور أخرى عدة ضمن مخطط حقق لهم النجاح، فاليابان اليوم قوة كروية عالمية، السعودية تملك من الإمكانات ما يؤهلها لتتفوق على اليابان، لكن المسألة تحتاج إلى التخطيط والصبر، وصدقني لن تحصد النتائج بين يوم وليلة، لدينا إمكانات تتطلب عملاً كبيراً ومثابرة ودعماً حتى يتم تحقيق النتائج.

> وهل توافرت الإمكانات اليوم؟

– هناك دعم مادي وإداري حالياً، لكن الإمكانات لا تقتصر على ذلك، خصوصاً عندما يكون الحديث عن التجهيز للمستقبل، فمثلاً في السعودية لا توجد أية بطولة رسمية للاعبين دون عشرة أعوام، تخيل أن عدد البطولات صفر! في الوقت الذي يوجد فيه في هولندا 100 ألف لاعب دون 10 أعوام، هذا هو المصنع الذي ينتج لك اللاعبين، وهذا الأمر غير متوافر في السعودية، يجب أن يتم التخطيط لذلك.

(يتوقف ريكارد لبرهة حين رأى أحد مساعديه في ردهة الفندق، أشار له بيده وطلب منه الالتحاق بنا، ثم واصل بحماسة)، قائلاً: «هذا الأمر ليس في هولندا فقط بل في إسبانيا أيضاً».. (هنا وجّه سؤالاً إلى مساعده ريكاردو عن عدد البطولات السنية في إسبانيا) فيجيب الأخير: «في إسبانيا هناك بطولات لسن العشرة أعوام والـ 12 عاماً ففي نهاية كل أسبوع هناك مباريات لهاتين الفئتين وغيرهما من الفئات السنية، وهناك حوالى 100 ألف لاعب».

(يتدخل ريكارد مجدداً ويسأل مساعده: «وماذا عن السعودية»؟)، فيجب الأخير بلكنة إسبانية: «زيرو»!

يواصل ريكارد: «هولندا مثل إسبانيا … وكل شيء يبدأ من هذه النقطة، من صغار السن، لا أتحدث عن البطولات واللاعبين فقط بل حتى على صعيد المدربين، ففي إسبانيا هناك أكثر من أربعة آلاف مدرب يحملون شهادة التدريب A، وهناك مدن في إسبانيا لا يتجاوز عدد سكانها 25 ألف نسمة فيها تقريباً 25 نادياً، في السعودية هناك محاولة لتنظيم ذلك لكن للأسف لا توجد أندية.

> عدد الأندية في السعودية 152 نادياً ألا يكفي هذا الرقم؟

– في المدن الصغرى لا توجد أندية، ما ذكرته لك سابقاً حول المنشآت والمدربين لا يقتصر على إسبانيا وهولندا فقط، بل هو المتوفر ذاته في ألمانيا وفرنسا وكل الدول، دعنا نكون واقعيين إذا كان هذا هو الوضع كيف تريدنا أن ننافس هذه الدول؟ العملية ليست سهلة إذ يجب أن يكون هناك عمل كبير، يجب أن يكون هناك مشروع للعمل على صغار اللاعبين، وهذا المشروع لا يتم بين يوم وليلة، المسألة تحتاج إلى الصبر، نحتاج إلى دورات تدريبية للمدربين وشهادات وعمل كبير ودراسات، وهذا لا يوجد حالياً في السعودية، تخيل أن عدد المدربين الذين يحملون الشهادة التدريبية A لا يتجاوزون الـ 50 مدرباً. في الدول الأخرى يوجد أربعة آلاف وأكثر، ولا يوجد مدربون متخصصون حالياً يعلمون الصغار ألف باء كرة القدم. ولذلك الفرق كبير جداً بين السعودية وبين غيرها من الدول التي تتقدم كروياً.

> أريد أن أسأل …

– يقاطعني: في السعودية هناك تعداد سكاني كبير لا يقارن بقطر مثلاً، لكن من ناحية العمل على الفئات العمرية والسنية قطر قامت بعمل كبير وبعناية هائلة، ومن ضمن عملها مشروع «اسباير»، وفوق كل ذلك هناك أيضاً عملية التجنيس التي تمنحهم قوة إضافية، هناك أمور كثيرة تحتاج السعودية فيها إلى أن تبدأ من نقطة الصفر، نحتاج إلى أن نبدأ من نقطة حتى نصل إلى الأخرى ونواصل التقدم، فلا يجوز أن نقفز مباشرة إلى النقطة اللاحقة التي نبحث عنها.

> هناك جدل كبير حدث في السعودية على خلفية مواجهة الأخضر وإسبانيا وتوقيتها وأهدافها؟ كيف ترى الأمر من وجهة نظرك وكيف تفسره؟

– مباراتنا مع إسبانيا لا علاقة لها بتخطيطنا للمستقبل، هذه المباراة بالنسبة إلينا مهمة كتجربة للاعبينا، يكتسبون من خلالها الخبرة، فمن الجيد أن ينزل اللاعب السعودي إلى أرض الميدان لمواجهة أحسن نجوم الكرة وأفضل فريق في العالم اليوم، هذا أمر جيد، وحتى على الصعيد التكتيكي أدى لاعبو المنتخب السعودي المطلوب منهم لمدة عشرين دقيقة، بعد ذلك لم يستطع أن يتحمل ما يقوم به المنتخب الإسباني ويؤديه ميدانياً، الفريق الإسباني من الصعب أن تقطع الكرة منه، من الصعب أن يخطئ لاعبوه التمرير، من الصعب أن يتركوا فراغات في الملعب، من الصعب أن يعطوك الوقت للتفكير في ما ستفعله بالكرة عندما تكون بحوزتك، الفريق الإسباني يمتلك كل هذه الإمكانات ولاعبونا استفادوا من مواجهته.

وبالنسبة إلينا في الجهاز الفني شاهدنا المباراة مع اللاعبين وشرحنا لهم أحداثها، ودرسناها سوياً وأعتقد أنهم استفادوا من هذا الأمر بشكل كبير، على سبيل المثال بيدرو أحرز هدفاً من تمريرة علوية من فوق وليد عبدالله، ولو كنت حضرت تدريب اليوم (أثناء معسكر الأخضر في فرنسا) لشاهدت كيف قام ناصر الشمراني بإحراز هدف بالطريقة ذاتها، فاللاعب بشكل تلقائي يستفيد ويقوم بالتقليد من خلال الاحتكاك، فاللاعب يشاهد بيدرو يحرز هدفاً ويتساءل لماذا لا أقوم بالأمر ذاته؟ والإسبان قاموا بالضغط في هذه الناحية فلماذا لا أقوم بذلك؟ هناك فوائد كثيرة من مواجهة إسبانيا، وهو أفضل من أن تلعب أمام فريق يستفيد منك ولا تستفيد منه.

> الشارع الرياضي تناول كثيراً نسبة الاستحواذ في المباراة

(90 في المئة لمصلحة إسبانيا و10 في المئة فقط لمصلحة السعودية) كيف تقرأ ذلك؟

– يبتسم المترجم إسماعيل قبل أن يقوم بترجمة السؤال ثم يعود ليترجم ما قاله ريكارد العشرة بالمئة كانت في العشرين دقيقة الأولى فقط، وعموماً الاستحواذ تخصص الكرة الإسبانية، هذا الأمر تعود عليه الإسبان منذ الصغر، تشافي وانيستا وبوسكيه كل هؤلاء تعودوا على التمريرات في ما بينهم، والخيارات في ما بينهم، كل هذه الأمور تعودوا عليها وليس كل فريق قادر عليها، استحواذ إسبانيا على 90 في المئة في مواجهتها للسعودية طبيعي، ولا تنسى أن إسبانيا تحقق النسبة ذاتها من الاستحواذ على الكرة وهي 90 في المئة أمام فرق أوروبية كبيرة، وليس فقط أمام السعودية، هذا التكنيك يسير في دماء لاعبي الكرة الإسبان.

> هل تابعت ردود الفعل في الشارع السعودي؟ أم أنك لا تطلع على ذلك … أو لا تهتم به؟

– قلبي مفتوح دائماً للجميع، لم يسبق لي في حياتي أن أوصدت أبواب التواصل بيني وبين الجماهير أو حتى بيني وبين أي منتقد لعملي، أحترم جميع الآراء وأحترم رأي أي شخص لديه وجهة نظر في ما نقوم به من عمل، لكن في النهاية لو قام المدرب بالسماع لكل منتقد ونظر إلى رغبات هذا وأمنيات ذاك فلن يقدم عملاً طوال حياته، نحن نستمع إلى الآراء كلها لكن الأجهزة الفنية التي تدرس الأمور وتتخذ القرارات وتخطط للعمل وتقوم بتنفيذه مع الاحترام لجميع الآراء.

> من الانتقادات التي تعرضت لها حديث للاعبين سابقين إذ قال المحلل يوسف خميس أن المنتخب السعودي افتقد للهوية في مباراة إسبانيا… كما قال المحلل عبدالرحمن الرومي أن المشكلة ليست في نتيجة المواجهة «الخماسية» وإنما في المستوى الذي قدمه في اللقاء… بماذا تعلق على هذه الانتقادات؟

– احترم رأيهما كثيراً … لكن يجب أن يعرفا أن هناك فارق كبير جداً بين المنتخب الإسباني ونظيره السعودي، وفي هذه الحال فإسبانيا تتفوق في شكل كبير فهي قوة كروية عالمية وهنا يتقلص الحديث عن الجانب الفني.

المصدر: جريدة الحياة