هل اقترب دورنا في استرجاع الحضارة؟

الإثنين ٢٩ أكتوبر ٢٠١٨

أثناء كتابتي هذا المقال كنت أتابع أخبار كارثة السيول في الأردن الشقيق، أتقدم بأحر التعازي للمواطنين الأردنيين ولعوائل المفقودين، وأخص بالترحم شهداءنا الأطفال في الأردن. أقرأ حالياً في كتاب بعنوان: قصة مختصرة للجنس البشري، للكاتب اليهودي يوفال هراري. الكاتب ليس شديد التعصب ليهوديته؛ بمعنى أنه لا يعتقد بخرافة شعب الله المختار التوراتية الملفقة، لكنه شديد التعصب لدولته إسرائيل وللارتباط الحضاري المسيحي اليهودي. يبدأ الكتاب بما هو معروف عن التطور البشري، عصر الإنسان البدائي الذي لا فرق بينه وبين ما يحيط به من كائنات في البيئة، ثم عصر الثورة التعرفية (Cognitive Revolution)، تليها الثورة الزراعية ثم الثورة العلمية التي تمر فيها البشرية الحالية، رغم محاولة التقيد بالأمانة العلمية إلا أنها تخون هذا الكاتب عندما يصل إلى مرحلة الثورة العلمية فيحدد بدايتها بالخمسمائة سنة الأخيرة، أي عصر التنوير الأوروبي المسيحي. قفز التحيز لحضارته بالكاتب إلى التناسي العمد للخوارزمي (اللوغاريتمات والجبر والمقابلة) وابن الهيثم (علوم الضوء والبصريات) وابن النفيس (الدورة الدموية في الجسد البشري) وابن سيناء وابن رشد وابن طفيل في الطب والحكمة وفلسفة الوجود والوحدانية والبيروني (علوم الأرض والقارات والخرائط) ومئات آخرين من المجددين في العلوم الفكرية والمادية. باختصار، تناسى الكاتب عمداً ألف سنة من الإسهامات الحضارية الراقية التي لا يمكن لراصد متجرد التغاضي عنها، لكن الكاتب فعل والأسباب واضحة. ما علينا…

لكن أنت.. من تصدق؟

الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٨

رحم الله الراحل جمال خاشقجي وغفر له، فقد مات ميتة لا يجوز ارتكابها على كائن من كان. رغم شناعة ما جرى، علينا أن نفصل بين الجريمة التي ارتكبت بحقه ومنها من مثل به وننتظر تحقيق العدالة غير منقوصة على كل من ارتكب الجريمة من ناحية، ومن ناحية أخرى بين محاولات تزيين تاريخ المغدور من قبل بعض أصدقائه القدامى وإطلاق الكلام الاعتذاري المقروء والمسموع فيتلقفه الساقط واللاقط، وكأن الراحل - غفر الله له- لم يكن متعاوناً مع قطر والجزيرة وأكاديمية التغيير بإشراف الإسرائيلي عوني بشارة، ومع المشروع العثماني الذي ينكر على السعودية دولة وشعباً حقها وقدرتها على حماية الأراضي المقدسة، ومع الواشنطن بوست والنيويورك تايمز وهما من أهم الدعامات الإعلامية للاحتلال الإسرائيلي والتنكيل بالفلسطينيين. ما هو المغزى من هذه المقدمة؟ المغزى هو ألا يعير أحد أذنه لغير وطنه. في هذا العصر الملغم بالأطماع الإقليمية والدولية والفتن المذهبية وبتدمير كيانات عربية أساسية، على العاقل ونصف العاقل أن يتمعّن ويفكر ويقارن. إن وجد في الجوار الإقليمي والعربي ما هو أفضل تخطيطاً للمستقبل وأرغد عيشاً وأشمل أمناً من وطنه، حينئذ يتوجَّب عليه استخدام القنوات المتاحة (ولو أنها ليست كثيرة) ليتظلّم ولو عبر ديوان المظالم. المحرم على من يحنق على وطنه لأسباب موضوعية هو أن يتحول إلى ظهير لأطراف أجنبية تستخدمه للتحريض والتفتيت، مثلما حدث…

ما الذي أزعج حزب الله في كلام البطريرك

الإثنين ٢٠ مارس ٢٠١٧

انزعج حزب الله اللبناني بعد مقابلة بطريرك الطائفة المارونية بطرس الراعي في حديث العرب مع سليمان الهتلان/ سكاي نيوز العربية. أزعج أوساط الحزب قول البطريرك: حزب الله دخل الحرب في سوريا بدون قرار من الدولة اللبنانية، وهذا قسم اللبنانيين إلى مع وضد. الذي مع يدعي أنه لولا تدخل حزب الله لوصل داعش إلى جونيه، والذي ضد يقول إن تدخل حزب الله جاء بمليون ونصف لاجئ سوري إلى لبنان. هؤلاء يقبلون بأي وظيفة وبأي سعر ويبيعون كل شيء على الرصيف. فيه بلدات لبنانية السوريون فيها أكثر من أهلها. الطلاب السوريون أكثر من الطلاب اللبنانيين ويتوجب على لبنان إيجاد مدارس لهم وعناية صحية. صار على اللبناني لكي يعيش أن يهاجر. الراعي قال أيضاً: لا أستطيع قول كلام قاطع بخصوص حزب الله. حزب الله دخل في كل مفاصل لبنان، الحكومة والبرلمان والتجارة والشارع، وهو مسلح وأنا أعزل، فيك تقول ميليشيات وهم يقولون مقاومة. ما سبق كان مجرد جزء بسيط من أجوبة البطريرك الراعي على أسئلة محاور ذكي وموضوعي. كان في مقابلة البطريرك أجوبة كثيرة غير ما قاله عن حزب الله، تعطي نظرة عميقة وعربية أصيلة عن تاريخ ومستقبل المنطقة، وتدل على رغبة حقيقية عند البطريرك وما يمثله من فكر في العودة إلى الرابط العروبي الثقافي القديم الذي حفظ للمنطقة أصول التعايش لمدة ألف…

تحولات هيكل العجيبة بعد وفاة عبدالناصر 1-2

الإثنين ٣١ أغسطس ٢٠١٥

مدخل: لديَّ وطن أحتمي به وأريد أن يبقى سليماً معافى لأولادي وأحفادي، ومن لا وطن له يصبح متسولاً على أبواب الآخرين. الكتابة في موضوع زاوية اليوم مساهمة توجبها الفترة التاريخية علينا كمواطنين وحكومة ودولة، أي كوطن يحتضن كل هذه المكونات، إن انفرط انفرطت جميعها وضاعت، والأمثلة من حولنا شهود عيان. المفكرون العظماء، ومن ضمنهم رجال الصحافة الكبار، يستمرون على إخلاصهم لقضيتهم الأساسية ويتحولون مع التقدم في السن وتراكم التجارب والمقابلات والحوارات إلى منجم خبرة ذهبي لأوطانهم. الأمثلة على ذلك كثيرة، من المؤرخين آرنولد توينبي، باول كينيدي، جمال حمدان، عبدالوهاب المسيري، صادق جلال العظمة، وصولاً إلى رجال الصحافة والإعلام الملتزمين بقضايا بلدانهم الحقوقية والوطنية. هؤلاء أعدادهم كبيرة لكنها لا تشمل، عربياً، عدداً مقنعاً أسترجعه من الذاكرة ويستحق لقب الكبير الملتزم. بهذا المدخل أريد أن أقول إن المفكر والإعلامي والصحفي الذي استطاع اكتساب هالة من الشهرة فوق رأسه من خلال أدائه أثناء الشباب وأواسط العمر، من المفترض أن يتحول إلى خير ناصح لأمته ولقضيته الوطنية الأولى، فهي التي مكنته من وضع هالة الشهرة على رأسه. يصبح الأمر مفجعاً وغير منطقي عندما يتحول من كان يعتبر من هذا الطراز في بداياته وأواسط عمره، إلى مثبط وطاعن مرتد عن قضيته الوطنية الأولى في الثلث الأخير من عمره وحياته الفكرية أو الصحافية. الحديث هنا عن…

سياحة في عقلية السائح الصحراوي

الإثنين ١٧ أغسطس ٢٠١٥

هل استقرار النظام الطبيعي في تعاقب الفصول، ربيع صيف خريف شتاء، يبرمج الكائن الحي فيه على التعامل بنظام طبيعي مع الحياة، مع مكوناتها وأولاً وقبل كل شيء مع نفسه ومثيله؟. هل لطبائع الاستقرار والنظام في الطبيعة (طقس، مناخ، تضاريس) دور في استقرار طبائع المخلوقات، والعكس صحيح أيضاً؟. أم أنها التربية الأولى منذ الولادة حتى تبلور الفهم الخاص، هي المكون الأهم لما يكون عليه الكائن/ الإنسان لاحقاً من الانسجام أو الفوضوية مع البيئة التي نشأ وتربى بداخلها؟. أو أن الناتج النهائي خلطة تمازج بين البيئة الطبيعية والبيئة التربوية، لكون الاثنتين تتعاونان لتشكيل أسس النظام أو الفوضوية التي يتعامل بها الكائن مع الحياة؟. هل غياب الانتظام المتوقع والمتكرر في العوامل الطبيعية، لصالح التقلب من جفاف إلى رطوبة ومن قحط إلى إرياف ومن قيض حارق إلى برد قارس، بفواصل زمنية عشوائية تأتي بدون موعد، هل هذا يبرمج الكائن العائش فيه على التعامل بمزاجية فوضوية مع الحياة ومع نفسه ومثيله؟. ثم هل عدم الاستقرار هذا يشكل عنصراً أساسياً في تكوين مفاهيم ومخرجات التربية الاجتماعية، بمعنى أن التطرف والتقلب في البيئات الطبيعية يحرض التربية الاجتماعية على التعامل بتطرف مماثل في الإعداد التربوي للنسل، كنوع من التحسب والتحفز لتقلبات المستقبل وللتكيف مع الاحتمالات؟. بالمختصر المباشر، هل تؤسس البيئات المتقلبة، كالصحراوية مثلا بغياب الانتظام الطبيعي فيها، لإنسان…

الحضارات لا تتصادم، بل الغرائز

الإثنين ١٠ أغسطس ٢٠١٥

في ليلة الجمعة التاسع من رمضان الماضي عشت ساعة انسجام ممتعة مع المفكر العماني جواد صادق سليمان ومحاوره اللامع سليمان الهتلان، وهما يتبادلان السؤال والجواب في برنامج حديث الخليج. قال المفكر العماني الكثير، وكله في سياق الكلام المفيد الصادر من عقل يتسم بالوقار والهدوء، تلك الصفات المعجونة عادة بحكمة التفرغ لدراسة طبائع البشر ومنابعها ومآلاتها الإيجابية والسلبية. من الكثير الذي قاله المفكر العماني الفاضل أتعرض هنا لجملتين فقط. الجملة الأولى : الحضارات لا تتصادم، بل تتلاقح وتأخذ وتعطي مع بعضها، لكن الغرائز والمذاهب والعقائد هي التي تجعل البشر تتصادم. الجملة الثانية : هناك خلل في النفس البشرية، لأنها تبالغ في إشباع الرغبات، بمعنى أن هذا الخلل جعل الإنسان يستهلك نفسه وموارده ووقته لإشباع نزواته الإستهلاكية. بعد نهاية الحوار حاولت ربط الجملتين، أولا ً في سببية واحدة هي الغرائز، وثانيا ً محاولة تفكيك ما قد يربط أو يفصل بين الحضارات والعقائد والمذاهب والغرائز . تمنيت لو كنت طرفاً ثالثاً في الحوار لأسأل السيد جواد صادق سليمان عن امكانية الحاق العقائد في أصولها الأولى بالحضارات، وفصل المذاهب والحاقها بالغرائز، وخصوصا ً في قدرتها وتركيزها على تحوير فهم النصوص الأصلية إلى مفاصلات سياسية واجتماعية لتحقيق مكاسب شخصية. على سبيل المثال، الحضارات لا ترفض جمع عشرات ومئات العقول في مجهود علمي واحد لاكتشاف الأسرار…

التأريخ للاتفاقية من البداية حتى التوقيع

الإثنين ٢٧ يوليو ٢٠١٥

للعقلية العربية منطق غير منطقي، لأنّها ترفض العدالة مع مكوناتها الخاصة، وتطلب المعاملة العادلة من الآخرين. اتفاقية المجتمع الدولي (وهي هكذا بالفعل) مع إيران تم التوقيع عليها وانتهى الأمر. حتى في حالة رفضها في التصويت الأمريكي، تبقى كحالة انتصار لصالح إيران في هذه الحالة أمام العالم وضد أمريكا واللوبي الصهيوني. يقول الرئيس روحاني: المقاطعة لم تكن ناجحة في أي مرحلة، ولو أنها سببت بعض المعاناة للمواطنين. المحادثات التي استمرت من عام 2002م حتى 2015م (14 سنة) كان من المفترض أنها أوحت للعرب بأهمية إيران للدول العظمى المتحاورة (5 + 1)، بما يزيد كثيرا على أهمية العرب للعالم. لذلك على العرب التمعن، كحكومات فقط، في هذا الوضع المعنوي المتدني للعرب في العالم. كعناوين، الأسباب ظاهرة، الوضوح في المشروع والجدية في المتابعة والصبر وتماسك إيران ككتلة واحدة، يقابلها في الطرف الآخر غياب المشروع العربي والتذبذب والتململ والتفكك. منذ البداية كانت المحادثات تتسم بطول نفس غير معتاد تتعامل به الدول العظمى مع إيران، رغم أن الكتلة الغربية فيها وهي أربع دول من ست، تصنفها في خانة الدولة المارقة. تم منح إيران الفرصة بعد الأخرى، وتم ابتلاع وهضم مماطلاتها وتنصلها مما توقع عليه. في الحقيقة كانت كل الدول الست تتعاون لصالح إيران وتتجنب إيذاءها. هذا القدر الاستثنائي من التفهم لم يسبق أن طبق من…

ونحن أيضاً في مأزق معيشي يا دكتور

الأربعاء ٠٨ يوليو ٢٠١٥

عندما تصل الأحوال الأمنية من حولنا إلى اضطراب شامل ويتحرش بنا الإرهاب المتوحش من داخل وخارج الحدود ونجد أنفسنا في حرب مع قوى أجنبية بأجندات مذهبية طائفية في اليمن تشير الاستدلالات إلى أنها سوف تطول، في مثل هذه الظروف يصبح الأمن المعيشي بتفاصيله المدنية المعروفة هو التوأم المطابق للأمن الجنائي والعسكري. الوضع يتطلب بإلحاح وسرعة إعادة النظر في وضعنا الأمني المعيشي الوطني، واسترداده من الارتهان للأيادي العاملة المستقدمة إلى الأيادي الوطنية. يصعب تصور الخروج من هذه الأوضاع المضطربة بدون السيطرة على مفاصل الأمن المعيشي، وذلك يستدعي إلقاء نظرة على واقع الحال والاعتراف به. واقع الحال يقول إن أعمال البناء والتشييد والترميم والصيانة، والخدمات المهنية في الكهرباء والمياه والنجارة والسباكة، وبرمجة وتخزين المعلومات التجارية والمدنية، ورصف الشوارع، والطبابة والتمريض والصيدلانيات، وخدمات السيارات والمحروقات والزيوت، وحتى توزيع المادة الخطرة غاز الطبخ، البيع والشراء والتوصيل، خدمات النقل العامة والخاصة، جمع النفايات ونظافة وصيانة الأحياء والشوارع، خدمات المطاعم والفنادق والأكل والشرب، خدمات الاستقبال ونقل العفش والتوديع في الموانئ، تجارة الزراعة وجني المحاصيل وبيعها في الأسواق، وباختصار كل شيء ما عدا الأكل والشرب والتكاثر وقضاء الحاجة، لا يساهم المواطن السعودي فيه بما يستحق الذكر في أي دراسة إحصائية. مقابل ذلك لدينا ملايين الفتيات العاطلات عن العمل المرابطات في البيوت أمام أجهزة الدردشة والفضائيات بانتظار النصيب…

دور التخلف في صراعات المسلمين الطائفية

الإثنين ٢٥ مايو ٢٠١٥

ما يبدأ جرح ألحقه بنا الإرهاب الطائفي في الاندمال، حتى يلحق بنا جرح غائر آخر، ثم تبدأ الاستنكارات والزيارات والتعازي من جديد. لا الاستنكارات ولا الزيارات والتعازي تقدم حلولا للتعافي من ظاهرة الإرهاب المتنكر بعباءات المذاهب، وإنما خلع العباءات المذهبية والتخلص منها، لصالح التعبد الخالص لوجه الله وحده دون تبعيات مذهبية وإكراهات مرجعية وانتقاصات حقوقية. في يوم الجمعة الماضي انفجر الفرن الطائفي المذهبي في وجوهنا من جديد، هذه المرة في مدينة القديح بمحافظة القطيف، فاستشهد أكثر من العشرين مواطنا بريئا حضروا لصلاة الجمعة وجرح قرابة المائة. لا أعتقد بوجود أي شخصية مذهبية مهمة أو نافذة بين القتلى والجرحى، وعلى الأرجح كانوا كلهم من المواطنين الكادحين البسطاء. بالتأكيد وعلى جاري العادة سوف يقول البعض من أتباع المذهب الشيعي لبعضهم، هذه جريمة أخرى يرتكبها نواصب مسيسون لخدمة الإرهاب المذهبي، وسوف يقول البعض من أتباع المذهب السني لبعضهم هذه جريمة إرهابية أخرى يرتكبها روافض مسيسون بأجندات خارجية. من غير المتوقع أن يبحث أي من الطرفين عن المستفيد الحقيقي من القتل على الهوية المذهبية في داخل مكونه الوطني الخاص. التهمة دائما جاهزة ومتوقدة مثل كرة النار، يتخلص كل طرف منها برميها نحو الآخر فورا وبدون تفكير. علينا واجب البحث والإجابة عن السؤال التالي: متى يصل الانحراف في العقل المنحاز والمتعصب إلى ارتكاب جريمة القتل…

تأمل السيفين قبل طمعك في النخلة

الأربعاء ٠١ أبريل ٢٠١٥

أقولها عن قناعة شخصية، أكثر الرموز الوطنية تعبيراً في العالم رمزنا الوطني. لكل الدول رموزها الوطنية، إما أسود مجنحة أو نسور صلع أو شمس حمراء في فضاء أبيض، إلى آخره. القصد منها كلها الترهيب فقط، رمز الأسد المجنح تعبير من دولته عن قدرتها على الافتراس والفتك، وعندما يكون في يد الأسد سيفاً فتلك إضافة رمزية أخرى للتعبير عن مقاتلين كالأسود، والنسر الأصلع سيد الغابات والطيور، يحلق عالياً ثم ينقض، علاوةً على كونه نادر الوجود تجب حمايته، بمعنى أن الدولة التي هذا هو رمزها الوطني تعتبر نفسها نادرة بين الدول ويتوجب على سكانها الاهتمام بوجودها وبقائها. الشمس الحمراء في الفضاء الأبيض ترمز إلى احتراق من يتخطى الفراغ الأبيض نحو الدائرة النارية، وهكذا. راجع ما شئت من رموز الدول الوطنية، وليس أعلامها، ولن تجد فيها ما يشير إلى الجمع بين الترهيب والترغيب في رمز واحد. حسب اجتهادي، ليس في حضارات الشعوب الموغلة في القدم ما يشير إلى موروث شعري وقصصي يوجب على ذويه تقاسم الطعام مع الجائع الغريب والوافد وابن السبيل وفي نفس الوقت يبيح لأبنائه في أزمنة الجوع والحاجة السطو على من يملك الطعام ليمنعه عن الآخرين ويحتفظ به لنفسه. هذه المواصفات في التصرف أمام شروط البقاء فرضتها الصحراء الشحيحة، بمعنى أعط ما دمت قادراً وخذ متى احتجت. عندما تقرأ في…

أين ستكون اللقمة الإيرانية التالية؟

الإثنين ١٦ مارس ٢٠١٥

لست متخصصا في السياسة، لكنني أقرأ كثيراً في التاريخ. التقاء المصالح الأمريكية مع الإيرانية أصبح ضرورة إستراتيجية كبرى للطرفين، تتعدى الشأن المحلي العربي، المقدور عليه لأنه في الجيب. استعملت في العنوان كلمة لقمة، وليس محطة أو هدف، لأن هذه المفردة هي التي تعبر بدقة عن شهية إيران وطريقة تناولها للطبق المفتوح أمامها. الهدف من الوجبة الجيوسياسية ليس التهام لقمة متى أصبحت سانحة بالصدفة، بل التخطيط لابتلاع الموجود في الوسط في قلب الطبق. الأماكن المقدسة في الغرب ومخزن الطاقة في الشرق هي أشهى ما في الوجبة. الهدف واضح من تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وقد أصبحت تتكرر بتواتر سريع، لجس النبض الإقليمي والعالمي تجاه ذلك. السؤال الجاهز، ما هي مصلحة إيران من التورط في أصقاع اليمن البعيدة عنها، وهي مقبرة الغزاة التاريخية؟. هذا السؤال يقوم على استنتاج غير موجود، فإيران لم ولن تغزو اليمن عسكريا وليست بحاجة لذلك، لأنها استلمته بالاستثمار في المذهب، أي بالدعم المنهجي المالي والتدريبي والتثقيفي، للفرع الحوثي من الزيدية في اليمن. لا يوجد مبرر ولا حاجة لغزو بلد قد سقط في دائرة تأثيرك بالفعل، لكنك تستطيع استعماله لإشغال الخصوم ضمن تخطيطك التوسعي الإستراتيجي. إيران تستعمل اليمن تكتيكياًً لإشغال السعودية ودول الخليج في الظهر، أي من الخلف، ومحاولة الإثخان بالجراح من هناك. هكذا هي الحرب، أن تحاول إشغال الخصم من…

أنسنة التنمية: طب كوبا وصندوق أوفيد

الأربعاء ١٨ فبراير ٢٠١٥

كوبا، الدولة الفقيرة التي عزلها الغرب لنصف قرن، اقتصادياًً وسياسياً وتقنياً، حققت أفضل نجاح تطبيقي في الطب وبزت به الدول العاتية الفاحشة الثراء التي تحاصرها. كذلك صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، بموارده المقارنة المحدودة، حقق أفضل النتائج التطبيقية في إيصال المساعدات لمن يستحقها في الدول النامية بفعالية بز بها كل صناديق التنمية الدولية، تلك التي تخلط السياسة بالمصالح بالمساعدات التنموية. سبق أن عرضت تجربة كوبا الرائدة في مكافحة مرض المناعة المكتسب (الإيدز) خلال مقابلة مع الأستاذ تركي الدخيل في 5-4-2013م، برنامج إضاءات. كان محور الحديث عن كون تلك الدولة الفقيرة المحاصرة قدمت للعالم أنجح تطبيق عملي على مستوى العالم للسيطرة على مرض الإيدز بجهودها الذاتية وبتكاليف زهيدة يصعب تصديقها في تلك الدول الباذخة الثراء والقدرات. لكن ذلك كان الحقيقة التي استحقت بها كوبا الثناء في المؤتمرات العالمية عن هذا المرض الشرس. سبق أيضا أن كتبت في هذه الزاوية بتاريخ 14-7-2014م مقالاًً بعنوان: أوفيد، التنمية ومحاربة الفقر بمعزل عن السياسة. محور المقال كان عن تميز صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) عن صناديق التنمية العالمية الأخرى، بكونه يعمل خارج السياسات والعقائد والمذاهب والجغرافيا، ليحارب الفقر فقط. مرت الأيام ونسيت تجربة كوبا في التطبيق الطبي وتجربة أوفيد في التنمية، ثم ذكرت التجربتين وهما متكاملتان في مجهود واحد، بمناسبة ترشيح حملة كوبا الطبية لمكافحة…