الجمعة ٠١ نوفمبر ٢٠١٣
عندما كانت الاشتباكات تعود للاشتعال في طرابلس الشام بين محلة جبل محسن العلوية وأحياء المدينة الملاحقة والمجاورة ويسقط فيها المزيد من القتلى من أهل المدينة وليس من المسلحين الذين يشتبكون منذ سنوات بحسب إرادة النظام السوري وحلفائه من حزب الله - كان المسلحون «الإسلاميون» من ثوار طرابلس الغرب السابقين واللاحقين يحاولون فض اجتماع للمؤتمر الوطني (البرلمان) بالقوة، خشية أن يناقش المؤتمر اقتراحا بحل تجمعات المسلحين هؤلاء، وإنهاء صلاحياتهم الأمنية، والذين سبق لهم قبل أسبوعين أن احتجزوا رئيس الحكومة لمدة ست ساعات لإرغامه على الاستقالة! إن الأوضاع الأمنية والسياسية سيئة جدا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان والسودان، والأسباب واحدة، وكذلك الظاهرة: ففي كل من هذه البلدان العربية تحاول قوى سياسية، وميليشيات مسلحة، وفي السلطة وخارجها، ومن البلاد ومن خارجها، الغلبة على الأرض، أو استمرار التغلب والسيطرة. والشعارات واحدة: الانتصار للإسلام أو الانتصار باسمه أو مصارعة أميركا وإسرائيل، نعم مصارعة أميركا وإسرائيل! أما كيف يكون إرهاب الناس وقتلهم عملا من أعمال الجهاد والممانعة والمقاومة، فهذا أمر لا يتردد في الجهر بمعقوليته وضرورته القائمون على عمليات القتل والتفجير والتخريب، ومن طرابلس الشام إلى طرابلس الغرب، وما وراء الشام والغرب. ولست أقصد بذلك فقط النظام الأسدي الذي تجاوز عدد ضحاياه المائة ألف، وعدد مهجريه بالداخل والخارج السبعة ملايين؛ بل ومسلحي حزب الله وحلفائه…
الجمعة ٢٥ أكتوبر ٢٠١٣
قال مدير تحرير مجلة «شبيغل» الألمانية لبشار الأسد في بداية مقابلة أجراها معه قبل أسبوعين: كيف يمكنك العيش مع هذه «الجرائم»؟ ألا تحس بالذنب؟ وليس مهما بماذا وكيف أجاب الأسد، فقد كان وكل شركة العلاقات العامة التي اتصلت له بكبار المجلات والصحف الغربية، ووكالات الأنباء، مجرد القبول وظهور الصورة على صفحة الغلاف أو على الشاشة في وقت الذروة، لكي يقال إن شخصه الكريم ما يزال مقبولا رغم الأهوال التي ارتكبها مع الروس والإيرانيين وأتباعهم ضد شعبه وبلاده. لقد كان ينبغي توجيه السؤال - وإن بمعنى وسياق آخر - إلى الشعوب العربية: كيف تحملت وتتحمل الارتكابات والمذابح والاستلابات من الحكام الخالدين، ومن الإيرانيين والإسرائيليين والروس والأميركيين... إلخ؟ نعم، كيف تتشرذم المجتمعات، وتتفكك الدول، ويهلك الأطفال والشيوخ والنساء إما بقذائف وطائرات وكيماويات بشار الأسد أو إسرائيل أو حزب الله أو القذافي أو الرئيس السوداني أو الجهاديين أو هذا الحاكم العراقي أو ذاك، ولا يظنن أحد أن «القتل» يحصل فقط من قذائف الطائرات أو الدبابات أو خلال المظاهرات؛ بل إنه قد يحصل عندما يهرب عشرات الألوف من مكان إلى مكان فيسقطون في البر أو البحر، فيصبح فيهم التعبير المجازي الذي قيل عن المسيح عليه السلام إنه الذي وطئ الموت بالموت! إنه الهول الأعظم بالفعل، الذي يعاني منه العرب جميعا منذ الاستعمارات البريطانية والفرنسية…
الأحد ٢٠ أكتوبر ٢٠١٣
اجتمع الإيرانيون بجنيف مع لجنة الـ 5+1 يومي 15 و16 من الشهر الجاري، لمتابعة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني. وقد سبقت الاجتماع إشارات إيجابية من الطرفين استناداً إلى اللقاءات الثنائية السابقة على الاجتماع في نيويورك وغيرها. وقد صرَّح الطرفان بعد الاجتماع أنه كان جاداً وواعداً وأنهم سيعودون للاجتماع يومي 7 و 8 من الشهر المقبل. وقد تخلَّل الاجتماع لقاءٌ ثُنائي بين كيري وظريف، وبين ظريف ومسؤولة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي. والمفهوم أنّ كلاً من الطرفين طرح تصوُّرَهُ، وأنّ الروس حاولوا تقريب وجهات النظر. وما شاع من الاجتماع سوى أن الإيرانيين وافقوا على قيام مفتشي وكالة الطاقة الدولية بزيارات مفاجئة للمواقع والمراكز النووية الإيرانية. ورغم إظهار الإيرانيين السرور فقد قالوا إن تصورات الغربيين السابقة واقتراحاتهم صارت قديمة، ولابد من تجديدها وتغييرها بالنظر لمواقف الإيرانيين المتطورة. بينما ذهب الغربيون إلى أن الإيرانيين نافدو الصبر، وكلُّ ما يهمهم هو رفع الحصار، والغربيون لا يمانعون في ذلك إنما بعد أن يزيل الإيرانيون الشكوك في نواياهم من وراء البرنامج النووي، وأنه سلمي حقاً وواقعاً. وهكذا فالذي يبدو أنّ الصعوبات لا تزال موجودة، لكنّ الأمور اتخذت مساراً تفاوضياً خالياً من التهديدات المتبادلة، والدليل على ذلك أنّ موعد الاجتماع المقبل قد تحدد دونما تردُّدٍ وانزعاجات كالسابق. وما أظهر أحدٌ انزعاجه من المسار الجديد للتفاوض غير الإسرائيليين…
الجمعة ١٨ أكتوبر ٢٠١٣
اعتاد المؤرخون العرب عندما يريدون القول إن هذا التصرف أو ذاك من جانب فرد أو جماعة غير معقول وغير مقبول بالطبع على القول إنه تصرف قرمطي. وهم يعنون بذلك الفرقة المنشقة عن الشيعة الإسماعيلية في القرنين الثالث والرابع للهجرة، والذين عاثوا في الأرض فسادا في سوريا والعراق، وكانوا يعتمدون إبادة الآخرين سواء أكانوا خصوما أم لا. كما كانوا يعتمدون ترويع الناس وصدمهم ليس في سفك دمائهم فقط؛ بل في ضرب مقدساتهم أيضا من مثل الإغارة على مكة في زمن الحج وذبح الحجاج وأخذ الحجر الأسود من الكعبة معهم. ورغم افتخارهم باحتقار عقائد العامة؛ فإنهم كانوا حريصين في حالة الحجر الأسود على عدم تدميره؛ بل عادوا فباعوه للخليفة العباسي - الذي أعاده للكعبة - بعشرة آلاف دينار! أول مرة خطر لي تشبيه تصرف بشار الأسد بتصرفات القرامطة، كانت عندما سمعته يقول عن خصومه في «14 آذار» إنهم منتج إسرائيلي (!). وهذا بعد مشاركته في قتل الرئيس الحريري والشهداء الآخرين، والإصرار على نشر الاضطراب في لبنان والعراق. وتذكرت وقتها تصرفات حافظ الأسد القرمطية في حماه وحمص وحلب، وهي نفس تصرفات ابنه منذ ثلاث سنوات. والعجيب والغريب أن الروس يقولون الآن، إنهم كانوا مع حافظ الأسد في حربه على شعبه عامي 1981 و1982 بحجة أنه كان يكافح الإرهاب الأصولي. وكنت قد سمعت من…
الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠١٣
إنّ مناسبة جمع كلٍ من فريد زكريا وولي نصر معاً هي أنهما أميركيان نافذان من أصلٍ مسلم، وقد ألّف كلاهما في مستقبل الولايات المتحدة أو مستقبل السياسة الخارجية الأميركية. وفريد زكريا من أصل هندي، وهو منذ أكثر من عشر سنوات صاعد في عالم الإعلام ووسائل الاتصال. وهو محافظ معتدل (هو الآن مع أوباما!) وقد أيَّد غزو بوش للعراق لأن عنده نقطة الضعف هذه: أنه ليس من أصل أميركي أو أوروبي، وأنه من أصلٍ مسلم. وموطن اعتزازه منذ سنوات أنه هندي المولد وأنّ الهند ناهضة وحليفة للولايات المتحدة. وقد سبق له أن كتب في مستقبل الديمقراطية، واكتشف أنّ الجمهور غير ديمقراطي في الحقيقة، بل يقوده محافظون مثل بوتين أو حزب بهارتا جناتا المتشدد بالهند وهمُّهُ الهويةُ وإقصاء الآخر، وبخاصةٍ في البلدان التي لا تتمتع بمؤسسات ديمقراطية عريقة لحكم القانون وحفظ الحقوق والحريات. وقد صدقت توقعاته باستثناء الهند، لأنه في سنة صدور الكتاب انتصر حزب المؤتمر ونحّى اليمين وأشاع الازدهار الاقتصادي وإن لم يستطع ضبط الأمن ومنع اضطهاد المسلمين! أمّا كتابه الذي اشتهر في الأعوام الأخيرة، وهو يُحدث تأثيراً من جديد في نشرته المليونية الثانية فعنوانه: «ما بعد عالم أميركا». أمّا ولي نصر، فهو ابن سيد حسين نصر، إيراني الأصل، وهاجر قبل الثورة الإيرانية. وكان والده (ما يزال حياً ويكتب) معادياً لآيات…
الأحد ٠٦ أكتوبر ٢٠١٣
في أُسبوع واحد أنجز «الجهاد» العظيم عدة إنجازات كبرى لجهتي القتل والتخريب: قتل عشرات المسيحيين في كنيسة بباكستان، وحوالي المائة في هجوم على مجمع تجاري بكينيا، وتفجير الناس بالسيارات في العراق، والاشتباكات بين «الجهاديين» في سوريا، وقتل عشرات من رجال الأمن والجيش باليمن! وقد دفعت هذه الإنجازات الفظيعة مجلة «الإيكونومست» إلى وضع «الوجه الحاضر للإرهاب الإسلامي» على غلافها لهذا الأُسبوع، كما كانت قبل أربعة أسابيع قد وضعت الوجه الحاضر للإرهاب البوذي في المكان نفسه. وعنْونَتْ على الصفحة ذاتها قبل شهرٍ ونصف الشهر، عندما استخدم الأسد الكيماويَّ ضد شعبه مخاطبةً أوباما: اضربوه بقسوة! والحال أنه في الحالات الثلاث، ما ضرب أحدٌ أحداً عقاباً أو استتابةً، ولا يزال القتل جارياً في سائر الحالات! الأسد، شأنه في ذلك شأن شارون والقذافي وصدّام والأسد الأب وبينوشيه.. إلخ، ما كان منتظراً منه غير ذلك. فقد قال قبل أشهُر لوزير لبنانيٍّ حليف له إنه مستعد لتسليم سوريا إلى معارضيه كما استلمها أبوه، أي سبعة ملايين من السكان، والبلاد اليوم 24 مليون أو أقلّ بالنظر لما قتل الرجل وخرّب من أجل البقاء في السلطة! وقبل عامين رفع أنصار الأسد الشعار: الأسد أو تخرب البلد! وقد نفّذوا ما هدّدوا به. لقد تبين أنّ ما يُسمَّى الصحوة عندنا، حدث في سائر الديانات وبخاصة اليهودية والبروتستانتية ثم الهندوسية والبوذية. وجيل…
الجمعة ٠٤ أكتوبر ٢٠١٣
كان المشهد نزاعيا جدا من حول الأزمة السورية. فالخلاف لم يقتصر على التجاذب الأميركي والأوروبي من جهة، والروسي والصيني من جهة ثانية. بل تعدى الأمر ذلك إلى الإيرانيين وأتباعهم الذين يتفقون على الأسد ونظامه ويقاتلون معهما، والأتراك الذين صاروا يعادون النظام السوري، ويساعدون المعارضة السياسية، لكنهم لا يريدون مخاصمة طهران رغم انزعاجهم منها لعدة أسباب منها السوري، ومنها الكردي، ومنها العراقي. وقد أتت فترة خيل فيها لعدة أطراف أنه ما عادت هناك مصلحة لأحد باستمرار النزاع والحرب إلا للطرف الإيراني الذي يعرف أن الوقت سيحل عندما لا يعود هناك إمكان للخروج من النووي وحصاراته غير المسالمة والتفاوض. إنما عندما يأتي ذلك الوقت، أي أوراق تكون بيده؟ طبعا العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن... إلخ. وكل هذه البلدان عربية، والمشترك بينها وهو الذي استطاعت إيران استخدامه: وجود شيعة (عرب بالطبع) فيها. وما دام الأمر كذلك، فإن هذه الجهود الإيرانية الهائلة على مدى عقدين وأكثر قد آن أوان استثمارها في تسوية الملف النووي. ولذا فإنه في الوقت الذي عرض فيه الرئيس روحاني على الغربيين التفاوض الودود في خطابه بالأمم المتحدة؛ فإن الحرب ازداد اشتعالها في سائر البلدان العربية التي ذكرناها، والتي لإيران فيها يد ورجل! هناك من يخاف ويراهن على المبادلة أو المقايضة: تؤجل إيران النووي العسكري، وتحصل على صفقة بالبقاء والنفوذ في…
الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠١٣
لا ينبغي الاستخفاف بقرار القضاء المصري فرض الحظر على جمعية (جماعة) الإخوان المسلمين بالبلاد. ليس لأن القرار أو الحكم له جوانب سياسية؛ بل لأنها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك: فقد حصل الأمر نفسه بعد اتهام أعضاء بالتنظيم الخاص لـ«الإخوان» بقتل رئيس وزراء مصر في الأربعينات من القرن الماضي. أما القرارات الأخرى ضد الجماعة عامي 1954 و1965 فقد كانت سياسية وسيادية. وفي الحالتين المذكورتين فقد كان الاتهام المشاركة في أعمال إرهابية ضد أمن الدولة والنظام العام. أما هذه المرة (أي بتاريخ 2013/9/23) فقد كانت التهمة قيام الجمعية ذات الطابع «الخيري والاجتماعي» بنشاطات سياسية، ووجود أسلحة بمقراتها، وتحريض قادتها على العنف ضد خصومها من المتظاهرين السلميين. سيقول كثيرون (بينهم عرب ومسلمون وغربيون) إن هذا الحكم القضائي سياسي الدوافع، لأنه جاء بعد إقصاء الرئيس محمد مرسي، وإصرار «الإخوان» وحلفائهم على الاعتصام والتظاهر والاشتباك مع قوات الأمن والجيش من أجل استعادة «الشرعية والشريعة». ومصطلحا الشرعية والشريعة في نظري هما الخيط الذي ينبغي التقاطه لفهم ظاهرة الإسلام السياسي السني والشيعي خلال العقود الماضية. فالذي لا يعرف أصول الحركات والتنظيمات الإسلامية المسلحة وغير المسلحة سيتجاهل مفردة «الشريعة» في الشعار المرفوع، وسيعتبر أن «الشرعية» هي المعروفة شروطها في العالم المعاصر مثل الدستور والانتخابات الحرة، وفصل السلطات، والأحزاب السياسية المتنافسة في المجتمع السياسي المتعدد والمفتوح. و«الإخوان»…
الأحد ٢٢ سبتمبر ٢٠١٣
عندما أزيح الرئيس المصري" الإخواني" من السلطة، قال بعض مُناصريه وبينهم علماء معروفون: إنّ إخراج الرئيس الشرعي من السلطة، هو كمن يهدم الكعبة حجراً حجراً! وكان المعتصمون بميدان مسجد رابعة العدوية يرفعون شعاراتٍ أكثرها انتشاراً: الشرعية والشريعة، أو الشريعة والشرعية. وفي كلتا الحالتين، أي هدْم الكعبة، وربط الشريعة بشرعية مرسي، تصريحٌ من هؤلاء بأنّ إزالة الإخوان من السلطة فيه إضرارٌ كبيرٌ بالدين باعتبار أنهم يمثّلونه في السلطة، ويريدون تطبيق شريعته. والواقع عكس ذلك تماماً، بمعنى أنّ هؤلاء الحزبيين اتخذوا الدين وسيلةً لبلوغ السلطة والسلطان، فأضرُّوا بذلك بالدين والدولة، كما سنحاول أن نوضح. وفي شهور العام 2013 تدرَّجَ الأمين العام لـ"حزب الله" في تعليل التدخل في سوريا. فقال في البداية إنه يتدخل لحماية شيعة لبنان القاطنين على الحدود بين سوريا ولبنان. ثم قال إنه يريد بتدخُّله حماية المزارات المقدَّسة (الشيعية) في سوريا من تخريبات المتطرفين. وانتهى أخيراً إلى أنّ "التكفيريين" السُنة يقتلون الشيعة بسوريا ويوشكون أن يهدّدوا الشيعة جميعاً خارج سوريا، ولذلك لابد أن يُقاتَلوا قبل استفحال شرورهم! وقد رأينا له صورةً تليفزيونيةٍ مع خامنئي قال بعدها ما معناه أنّ المرشد أفتى وأمر ولذا فهو مستعدٌّ للذهاب بنفسه إلى سوريا، بل وهو مستعدٌّ لمجادلة من يجادلُهُ أمام الله يوم القيامة! وبذلك فإنّ هؤلاء الحزبيين في لبنان والعراق واليمن وإيران يذهبون إلى…
الجمعة ٢٠ سبتمبر ٢٠١٣
لقد سقط الإسلام السياسي سقطة مروعة، ليس في مصر وحسب، بل في تونس واليمن وليبيا والجزائر. وبالطبع فإن المشهد العام في العالم العربي واحد بعد الثورات، لكن المتغيرات المحلية تبرز هذا البعد أو ذاك في كل حالة ضمن المشهد العام. فعلى سبيل المثال احتاج الأمر إلى الجيش في مصر لإزالة «الإخوان» من السلطة، لكنه لو لم يتدخل لسقطت سلطة «الإخوان» في فوضى شعبية عارمة خلال أشهر تؤدي إلى غرقهم في المشهد. وفي اليمن شارك «الإخوان» التيارات السياسية الأخرى في التمرد على حكم علي عبد الله صالح. لكنهم - مثل مصر - أرادوا التخلي عن هذه الشراكة بعد إقصاء صالح في حل سياسي جرى التفاوض عليه مع رعاة المبادرة الخليجية. بيد أن الذي يوشك أن يحل محل نظام صالح، ليس الإسلام السياسي الإخواني، بل الفوضى العارمة الحافلة بالمذهبيات والانفصاليات والقبليات. وفي تونس تتهادى حركة النهضة باتجاه السقوط غير المدوي. وفي الجزائر ضاع الإسلام السياسي منذ سنوات بين الجيش وكوادر حزب جبهة التحرير والأصوليات المقاتلة. وما كان الإسلاميون الحزبيون أقوياء أو راجحي الكفة في ليبيا وسوريا. لكن القوة النسبية التي أكسبتهم إياها الثورات، توشك أن تضيع بين المسلحين ونوافر المحليات والعلاقات الدولية. فالأمر في كل الحالات يتراوح ظاهرا بين السقوط السريع أو السقوط البطيء، لكنه سقوط لا مرد له ولا مخرج منه.…
الجمعة ١٣ سبتمبر ٢٠١٣
قبل ثلاثة أشهر، وعندما كانت وسائل الإعلام الغربية والروسية والإيرانية والسورية منهمكة في وصف هول تدخلات المتطرفين الأجانب في سوريا، صدر تسجيل لأيمن الظواهري يحذر فيه أنصاره من استيلاء الأميركيين على بلاد الشام! ما اهتم الظواهري (القابع في إيران منذ سنوات) بقتال الروس والإيرانيين وحزب الله والميليشيات العراقية والحوثية إلى جانب نظام الأسد، بل اهتم (مثل خامنئي تماما) بإمكان سيطرة الإسرائيليين والأميركان على البلاد الثائرة على الأسد، والتي من المفروض أنه أرسل أنصاره إليها أيضا للكفاح ضد نظامها! وبعيدا عن لغة المؤامرات السرية الرهيبة، والتي لا يمكن الذهاب باتجاهها لسبب بسيط هو أن نوايا وخطط الجميع صارت علنية، دعونا نعدْ إلى أصول المسائل، إلى المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة العربية. لقد هيمنت الولايات المتحدة في منطقتنا تماما بعد الحرب الباردة، وبعد طرد صدام حسين من الكويت ومحاصرته، وعندما تمردت «السلفية الجهادية» على الهيمنة، مضت الولايات المتحدة باتجاه موجة جديدة من الغزوات لإعادة تثبيتها. ولأن القوى الثائرة على أميركا كانت عربية وسنية، فقد اتجه الأميركيون إلى استنفار القوى الإقليمية الأخرى: الإسرائيليين والأتراك والإيرانيين. أما الإسرائيليون فما وجدوا لهم مصلحة قريبة وحاكمة، بل إنهم كانوا وقتها يتجهون إلى فك الارتباط بالانسحاب من لبنان، وبإعادة الاتصال بالنظام السوري في عهد الرئيس الجديد، ودخل الأتراك مع الأميركيين في أفغانستان، لكنهم أعرضوا عن الدخول معهم…
الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠١٣
تغيرت الأجواء بالولايات المتحدة تماماً. فقد استدعى الرئيس الأميركي زعماء الكونجرس من إجازاتهم، وخاضوا أمام الإعلام وفي أجواء مفتوحة نقاشات هائلة يومي الثلاثاء والأربعاء. وستظل النقاشات دائرة حتى يوم 9/9 عندما ينعقد الكونجرس للتصويت. وما كان الموضوع الحزبيات ومن هو «ديمقراطي»، ومن هو «جمهوري»، بل صار التفوق الأخلاقي الأميركي، والمسؤولية الأميركية عن أمن العالم وسلامه وتوازناته. وقد بدا «الجمهوريون» متحمسين أكثر من «الديمقراطيين» للتدخل العسكري في سوريا، وطالبوا بأن تكون الضربة أكبر وأوسع. سافر الرئيس الأميركي إلى السويد، ليمضي بعدها إلى سان بطرسبيرج لاجتماع قمة العشرين، وليلتقي الرئيس الروسي بوتين. وقد يكون بين عوامل الحماس وشبه الإجماع أنّ الأميركيين أرادوا أن يذهب رئيسهم لاجتماع العشرين، وللقاء الروسي، ووراءه دعم كبير، يستطيع به أن يحقّق إنجازاً ملائماً من أجل هيبة أميركا، ودورها في العالم، سواء حصلت الضربة أم لم تحصل. لقد تغيّر الموضوع بالفعل، وما عاد الأسد ظاهراً ولا حتى الإيرانيين، والإسرائيليون هم الموضوع، بل صار الموضوع ماذا جرى لهيبة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، سواء في سوريا وأزمتها، أم في فلسطين، أم في النووي الإيراني. أتى أوباما إلى موضوع الضربة العسكرية للنظام السوري من المدخل الأخلاقي، ويبدو أنه يعرف الشعب الأميركي أكثر بكثير مما يعرفه الصحفيون والإعلاميون الأوروبيون وبعض الأميركيين. هؤلاء الإعلاميون عادوا للحديث الذي لم يتوقف عن تردد أوباما،…