قصة «كورونا»: من قرية «النقيع» النائية.. إلى الأضواء العالمية

أخبار

بيشة -متابعة عبدالله المعاوي

من بئر بدائية بمزرعة نائية، في قرية صغيرة؛ بل مجهرية على خارطة العالم، تقع إلى شمال محافظة بيشة، خرج الشبح المرعب الذي شغل العالم: “كورونا”؛ فكانت تلك النقطة اللامرئية حتى على الخريطة المحلية مسرحاً غامضاً لبداية قصة سبرت أغوارها “الرياض”، وأدى دور البطولة “خفافيش البئر” التي سكنها “فايروس” تخفى كما “دراكولا” في عباءته السوداء، وحلق متنقلاً في الخفاء بين مدن السعودية والعالم، حاصداً ضحاياه هناك وهناك؛ في غموض أذهل العالم وشغله وأرعبه في آن.

انتقلت هذه القرية الصغيرة التي تسمى “النقيع” في غفلة من الجميع، من اللامكان إلى خارطة أكثر الفرق الطبية شهرة في العالم، الذي تشكل من باحثي وزارة الصحة السعودية بالتعاون من جامعة كولومبيا الاميركية ومختبرات ايكولاب الصحية في الولايات المتحدة، حيث كانت هذه القرية مسرحا لأول وفاة بفايروس “كورونا”، حين تعرض رجل الأعمال مساعد الغامدي إلى أول إصابة جرى تسجيلها بالمرض، فنقل إلى إحدى مستشفيات بيشة إلا أن الأطباء عجزوا عن معرفة مرضه، فجرى نقله إلى مستشفى في مدينة جدة، حيث اكتشف طبيب من الجنسية المصرية إصابته بفايروس جديد وأعلنه للعالم.

وبينما كان العالم مشغولاً بتعداد الإصابات التي بدأت في الظهور والانتشار أكثر فأكثر، وتفاعل وسائل الإعلام المحلية والعالمية في رصدها وتتبعها وتداولها وتحليها، كان الفريق الطبي ينفذ رحلات مكوكية بين المختبرات العالمية وبين بعض قرى شمال بيشة إلى جانب قرية النقيع التي تحتضن مزرعة المتوفى الغامدي وبئرها المليئة بالخفافيش، حيث كان يواصل أخذ عينات من الجمال التي يملكها الضحية في منزله الذي يقع على مقربة من قرية العطف ومن مواشيه هناك إضافة إلى عدد من الخفافيش التي كانت تعيش في بئر مزرعته.

وفيما استمرت رحلات الفريق إلى هذه القرى الصغيرة خلال عامي 2012 و 2013، كانت مختبراتها المتطورة تحلل العينات التي جرى أخذها، بينما العالم لا يزال يتكهن بمسببات المرض الغامض وتداعياته وإمكان مداواته، حتى أعلنت وزارة الصحة السعودية عن تمكن فريق من باحثي الوزارة بالتعاون مع جامعة كولومبيا الأمريكية ومختبرات ايكولاب الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، من عزل فيروس “كورونا” الجديد المسبب للالتهاب الرئوي الحاد (MERS-CoV)، من إحدى العينات التي تم جمعها سابقاً من الخفافيش بالمملكة، في إنجاز علمي يرفد الجهود المبذولة عالمياً للتعرف على مسببات الفيروسات. وكانت هذه العينة التي كشفت مسبب فايروس “كورونا” أخذت من خفاش من قرية النقيع التي تختفي في مكان ما شمال محافظة بيشة في شهر أكتوبر من عام 2012 حيث كان يعيش الغامدي؛ الضحية الأولى.

تركيبة جينية مطابقة 100 في المئة ل”كورونا” في خفاش بيشة:

نشرت مجلة الأمراض المعدية الأميركية نتائج الدراسة التي أجراها الفريق الأمريكي السعودي وأشارت إلى أن فحص البلمرة الجزيئية الخاص بالفيروس تم إجراؤه على عينات جرى جمعها من 96 خفاشاً حياً تمثل سبعة فصائل مختلفة، وعلى 732 عينة من مخلفات الخفافيش في المناطق التي سجلت فيها حالات مؤكدة للمرض في المملكة، فأظهرت عينة واحدة من خفاش حي آكل للحشرات تم اصطياده في بيشة وجود تركيبة جينية مطابقة 100 في المئة لفيروس “كورونا” الجديد المسبب للالتهاب الرئوي الحاد (MERS-CoV).

وأضافت المجلة أن وزارة الصحة السعودية بالتعاون مع مركز العدوى والمناعة في جامعة كولومبيا الأميركية، جمعت ثلاث عينات من الخفافيش في مواقع محددة بالمملكة في كل من بيشة والرياض والقصيم، مشيرة إلى أن الفريق التقى العام الماضي بأبناء مريض أصيب بالفايروس في بيشة، حيث استدلوا على مكان لتجمع الخفافيش في مزرعته التي تبعد عن سكنه 12 كيلومتراً، فلاحظ أعضاء الفريق وجود فضلات للخفافيش في بعض الآبار المهجورة في مواقع عدة في بيشة وفي مزرعة الغامدي، واستطاعوا خلال ثلاثة أسابيع القبض على 96 خفاشاً تم اصطيادها بالشباك والفخاخ، وأخذت عينات من الجزعة والدم وعينات مسح الحلق ومسح لعينات البراز منها. فيما قال وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي الدكتور زياد ميميش إن الفيروس لا ينتشر مباشرة بين البشر من طريق الخفافيش، لكن من المرجح أن شيئاً آخر وربما حيوان آخر هو ما يتسبب في نقله للبشر.

وخصصت صحيفة نيويورك تايمز يوم أمس الأول في صفحاتها الطبية موضوعاً عن نتائج الفريق العلمي السعودي الأمريكي في تقصي فايروس كورونا ، وعنونت له ب”الفايروس الغامض الذي قتل 47.. مرتبط بخفافيش السعودية”، وقالت فيه إن مسؤولين في قطاع الصحة أكدوا أن الخفافيش في المملكة العربية السعودية كانت مصدر الفيروس الغامض الذي أصاب 96 شخصاً في منطقة الشرق الأوسط، ما أسفر عن مقتل 47 منهم.

وأضافت الصحيفة: “إن الدراسة العلمية التي نشرت نتائج زيارة الفريق للسعودية أسفرت عن اتهام فريق دولي من الأطباء للخفافيش بأنها سبب الفايروس، غير أنه لم يسجل تطابق مثالي للفايروس إلا مع خفاش واحد فقط آكل للحشرات من أصل حوالي 100 اختبار في السعودية. وهذه الخفافيش عادة لا تعض الناس، ولكن قد يكون لعابها قد سال على فاكهة أو فعلت أشياء آخر تسببت في قد نقل المرض إلى الناس، ولا يزال من غير الواضح كيفية وصول الفيروس إلى البشر”.

واستدلت الصحيفة بقول الدكتور جوناثان ابشتاين، وهو طبيب بيطري متعاون مع تحالف “ECOHEALTH” الذي ساعد في القبض على خفافيش السعودية أن ضحايا الفايروس قد يكونون دخلوا مبانٍ بها فضلات جافة للخفافيش والتقطوا المرض عن طريق التنفس على غرار الطريقة التي أصيب بها أميركيون في وقت سابق بعدوى فيروس هانتا من خلال كنسهم لفضلات الفأر المجففة.

وأوردت الصحيفة حديث الدكتور ميميش، نائب وزير الصحة السعودي المؤلف المشارك في الدراسة، إذ قدم عرضاً عن الفيروس في واشنطن يوم الأربعاء، قال فيه: “عثر على الخفاش المصاب في منزل مهجور في بستان نخيل في بيشة، وهي مدينة صغيرة في المملكة العربية السعودية. الأمر الذي استدعى زيارة المحققين من جامعة كولومبيا وتحالف ECOHEALTH لزيارة المكان وأخذ عينات منه لأن أول ضحية معروفة للمرض كان رجل أعمال يعيش في بيشة يبلغ من العمر 60 عاماً أصيب بالمرض منتصف يونيو حزيران 2012 وتوفي بعد ذلك بأسبوعين”. في حين قال الدكتور إيان ليبكين دبليو، رئيس مركز جامعة كولومبيا للعدوى والحصانة والمشهور بلقب صائد الفايروسات وترأس الفريق الذي زار محافظة بيشة أنه سيتم الانتهاء قريباً من اختبارات إضافية على الإبل والأغنام والماعز والبقر، وأن ضحية الفايروس في بيشة كان يملك أربعة جمال في مزرعته وتم أخذ عينات منها ولكن نتائجها لم تظهر بعد.

“الرياض” في موقع الإصابة الأولى

كانت “الرياض” سابقة في التواجد -قبل نشر الدراسة- في موقع الإصابة الأولى بالمرض في شمال محافظة بيشة وتحديداً في قريتي العطف والنقيع حيث كان يسكن رجل الأعمال مساعد الغامدي -يرحمه الله-، وزارت “الرياض” حظيرة الإبل الخاصة به المجاورة لمنزله في العطف، ومزرعته في قرية النقيع التي تحوي أشجار نخيل ومواشي وتضم بئراً مهجورة، وكانت قد استوقفت الفريق الأجنبي الذي زار المزرعة وأخذ عينات من فضلات الخفافيش ومن مواقع مهجورة قريبة منها وكذلك من بيوت طينية في قرى أخرى في بيشة.

خريطة الفريق الطبي لدى تقصيه قرى محافظة بيشة

المصدر: الرياض