مفكر إسلامي
خاص لـ هات بوست :
يظن الكثيرون أن الشرك بالله يقتصر على الاعتقاد بوجود إله ثانٍ غير الله، أو آلهة متعددة، ويرتاح بالهم من هذه الناحية فيطمئنوا إلى أنهم لم ولن يشركوا، لا سيما أن الشرك ذنب عظيم.
وإذا كان الشق الثاني صحيحاً مائة بالمائة بموجب ما جاء في التنزيل الحكيم، فإن الشق الأول غير صحيح، والشرك بالله له وجوه عدة، أكثرها رواجاً وانتشاراً هو شرك الثبات والآبائية، إذ من الصعوبة بمكان أن يخرج الناس عما وجدوا عليه آباءهم، وما نشأووا عليه، بل على العكس تراهم يتمسكون دون أدنى تفكير بكل ما اعتادوا عليه، دون التوقف لمجرد التفكير في أصل هذا الفعل أو ذاك، تماماَ كما في تجربة القرود الخمسة في الامتثال الاجتماعي، حيث يدافع القردة عما وجدوا عليه أنفسهم دون معرفة السبب.
ونحن كمسلمين من أمة محمد، وجدنا آباءنا على دين الفقهاء، يقدسون الشافعي وأبا حنيفة وجعفر الصادق والبخاري ومسلم وابن تيمية، ويعتبرون خير القرون هو القرن السابع الميلادي وبعده يتقلص الخير تدريجياً، واعتبرنا أن ما قام به رجالات ذاك القرن ثم الذي يليه هم خير منا، وأن فهمهم للإسلام هو عين الإسلام، فقدسنا هؤلاء الرجال وما خطوّه وما فهموه ونسينا كتاب الله، وتضاءل اهتمامنا بفهم التنزيل الحكيم على اعتبار أن فهمنا لا يمكنه أن يرقى ليعلو عما وصل إليه الفقهاء والمفسرين، ومن ثم فالأولى بنا أن نأخذ ما أتوا به دون أي نقاش.
وإذا كنا نتشدق بأن الإسلام على الشكل الذي وصلنا هو الدين الوحيد الذي يقبله الله سبحانه، فألا يستحق هذا الدين بعض من تدبر وتفكر؟ وألا يجدر بكتاب الله أن نوليه بعض الاهتمام الذي يتجاوز الشكل إلى المضمون، ويتجاوز معاهد تحفيظ القرآن والطباعات الفاخرة إلى فهم ما جاء فيه؟ وإذا كان الله تعالى قد وجه الخطاب في كتابه للناس جميعاً بشكل عام فحري بنا أن نفتح الكتاب ونبحث عما يريده منا، بغض النظر عما فهمه آباؤنا وما فهمه الطبري وابن كثير وغيرهم، فأدواتهم المعرفية تختلف عن أدواتنا، وكتاب الله من حي لأحياء يواكب ما وصلوا إليه من علوم ومعارف، والله تعالى أرسله لنا لنتدبره ولم يرسل لنا صحيح البخاري لنعمل به.
فإذا تدبرنا كتاب الله وجدنا إسلاماً مختلفاً تماماً، يصلح لأن يكون ديناً عالمياً للناس أجمع، أرسله إله رحيم بعباده لينير حياتهم لا لتعقيدها، وأعلن من خلاله صلاحية الإنسانية للتشريع لذاتها، وفق خطوط عريضة ترسمها القيم، وتوافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالغش والفاحشة وقتل النفس وعقوق الوالدين لا اختلاف فيها لا في طوكيو ولا في باريس ولا في مكة المكرمة، ولا في القرن السابع ولا اليوم ولا بعد مئات السنين، واحترم إرادة الإنسان في شتى المجالات، فأعطاه خيارارت واسعة، بعكس الفقه الموروث الذي كرس الحرام ليكون هو الأساس وجعل الحلال هو الاستثناء، فنشأ “المسلمون” يبحثون عن المسموح، وازدهرت سوق الفتاوى عبر اللف والدوران لتبرير الأفعال، ولأن العبد لا يستسيغ الخروج من القفص فإن عبيد الموروث لا يجرؤون على كسر القيد، بدعوى الخوف على الدين والحفاظ عليه والتمسك به، ويفضلون السكون في المياه الراكدة بدل الخروج إلى السطح، فهذا ما وجدوا عليه آباءهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (البقرة 170)
ونحن اليوم في أمس الحاجة لرفع الغطاء عن القدسية التي منحت للموروث بلا وجه حق، والعودة للتنزيل الحكيم وكأنما الرسول (ص) توفي أمس، مع محاولة الخروج من كل التبعات التي ألقيت على كواهلنا جراء ما حصل في القرن التاسع من اعتماد عادات وأعراف القرن السابع كدين، دون أدنى خوف، لا من كتاب الله ولا عليه، وأهم ما سنصل إليه هو أن الحرية قيمة عليا، وأن الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، والحرام محدد والحلال كل ما هو غيره، والعذاب من الله محدد والرحمة وسعت كل شيء، والتدين فردي والله في الآخرة سيحاسبنا أفراداَ، وإن بقينا على ما نحن عليه من آبائية وأحادية سنفنى ولن تقوم لنا قائمة.