كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
التصنيف، الذي يُستخدم للتعريض لا للتعريف، هو آفة تنهش وحدة المجتمع، وأحياناًَ تتفاقم بالوصول إلى مفاصل الأسرة. وهي، فوق هذا، تُعطّل قدرة المجتمع على مراجعة أوضاعه ومناقشة أفكاره في سبيل الإصلاح المنشود دوماًَ والتطوير المستدام، أو الذي هكذا يجب أن يكون.
تختلف الأدوات المستخدمة للتصنيف، من مثل: الحزبية – الفئوية – الشّلليّة، أو أيّ شكل من ملصقات التصنيف للإقصاء. كما تختلف الأهداف من ابتزاز سياسي إلى منفعة ذاتية أو تشويه شخصي بدافع الحسد أو تصفية حسابات أيديولوجية.
وفي سبيل معالجة هذه الآفة الاجتماعية / الثقافية ينبغي أن نسلك مسارين اثنين، الأول: مكافحة الحزبية، والثاني: مكافحة تهمة الحزبية. وهما مساران متداخلان في كثير من الأعراض، فالأول هو لمكافحة الحزبية الحقيقية، والآخر لمكافحة الحزبية الوهمية. ولطالما تداخلت، في ثقافتنا الاجتماعية، الحقائق بالأوهام!
المنهجية العادلة والنزيهة والصادقة لمكافحة الحزبية / الإقصائية والتجزيئية للمجتمع هي ما ينقص ثقافتنا. والذين يريدون التطوع في هذا العمل «الإغاثي» لإنقاذ وحدة المجتمع وسلامة صدور أفراده، يجب أن يتحلّوا بشروط مؤهلة لهذه المهمة الوطنية الشريفة، من أهمها: العدالة والنزاهة والشجاعة واتساع الأفق والوعي بالأولويات، والبعد عن روح التشفي والاستعداء والبذاءة في محاورة الآخر .. هذا في سبيل مكافحة الحزبية الحقيقية، ومعالجة من أصيبوا بدائها.
أما مكافحة تهمة الحزبية، أي الحزبية الوهمية، فإني سأحض «المتهم»، كما فعلتُ من قبل، أن لا يتوقف عن قول وكتابة رأيه بكل حرية واتزان، وأن لا يستسلم للتخوين أو التخويف. لكنه في الوقت ذاته يجب أن يحافظ على الاستقلالية النسبية، إذ تتعذّر المطلقة، في التفكير أو التعبير عن الرأي سواء كان ضد من يُحب أو مع من يكره.
لا يزعم أيّ كتاب، كبير أو صغير، أو أية مقالات محدودة أو متوسعة، أنها ستعالج وحدها مشكلة الاصطفاف المُريدي والتصنيف الإقصائي، لكنها تسعى للإسهام في تشخيص الآفة .. ما قد يُسهّل للآخرين علاجها.
* من مقدمة الكتاب الذي يصدر قريباً للكاتب، تحت عنوان: (حروب الهويات الصغرى .. في مكافحة التصنيفات الإقصائية).
المصدر: الحياة