أم وأب وأبناء، يعيشون في منزل واحد، ويندرجون تحت شجرة العائلة كُلٌّ حسب موقعه، يتشاورون ويتشاجرون، وقد يسمع الجيران أصواتهم في لحظات كثيرة، إلى أن غاب ذاك الضجيج المسكون حميمية فجأة، ليسود الصمت محله، في غفلةٍ من عين العائلة.
أمهات انشغلن عن أبنائهن بوسائل التواصل الاجتماعي، ولم تعد آذانهن صاغية لقصصهم وحكاياتهم، خطفهن الـ«واتس أب»، والـ«جروبات» النسائية على «فيسبوك»، فضاع الحوار، وأخذ معه أي تواصل مباشر كان يجمع الأسرة.
بينما كانت «البيان» تجول بين الأمهات لرصد شكاواهن من الأبناء الذين انشغلوا بالهواتف النقالة عنهن، فوجئنا بصرخات الأبناء، الذين أكدوا أن الأمهات هن من انشغلن عنهم، ولم يعدن يكترثن بالاستماع لهم كسابق عهدهن، ليصبح «واتس أب» لغة حوار المنزل الواحد.
تبدأ الحكاية مع الطالبة الجامعية فاطمة الكوني، التي أكدت أن الأمهات انشغلن عن أبنائهن بوسائل التواصل، وقالت: الأمهات اليوم يمتلكن «جروبات» نسائية وعائلية عبر «واتس أب»، وصفحات على «سناب شات»، وهذا الأمر إيجابي وسلبي في نفس الوقت، فإيجابيته تكمن في أنهن أصبحن يفهمن سبب انشغالنا بوسائل التواصل، فتوقفن عن توجيه اللوم لنا كالسابق، ولم يعد أحد منا يحاسب الآخر على انشغاله بالهاتف، ولكن سلبيته تتمثل في أنهن لم يعدن متفرغات لنا كما قبل، وأصبح صعباً أن نتواصل معهن بشكل مباشر بسبب انشغالهن بها أكثر من اللازم.
ولفتت فاطمة إلى أن وسائل التواصل أبعدت الأم عن أبنائها، وقالت: أصبح لكل منهم عالمه الخاص، وبالنسبة لي، حين أظهر لوالدتي أنني متضايقة من ذلك، تنتبه لي وتمنحني كل اهتمامها وتركيزها.
وذكرت الكوني أن وسائل التواصل تركت آثارها السلبية على علاقة الأم بالأب. وقالت: أصبح كل منهما منشغلاً بعالمه وبـ«جروباته» وأصدقائه، ولم يعد هناك أي حوار أو نقاش أسري.
نقمة
وعبَّر الطفل فتحي السيد (11 عاماً) عن ضيقه من استخدام والدته المتواصل لوسائل التواصل، واصفاً التكنولوجيا بالنقمة. وقال: نادراً ما أصبحت أرى والدتي بدون هاتفها النقال..
ولم نعد نقضي أوقاتاً كثيرة معاً كالسابق؛ فهي مهندسة وسيدة أعمال، وبعد انتهائها من دوامها، تتواصل مع سيدات المجتمع لمساعدتهن في تحقيق طموحاتهن المهنية عبر ملتقاها النسائي الذي أنشأته، وعملها يتطلب منها استخدام الهاتف طوال الوقت، لتتنقل من «جروب» لآخر عبر «واتساب».
وذكر فتحي أن والدته اشتركت بـ«جروب» واتس أب يجمع أمهات أصدقائه في المدرسة، ليتحول وقت الدراسة أيضاً إلى وقت للتواصل عبر «واتس اب». وأنهى حديثه قائلاً: أُقدِّر تعب والديّ في محاولة توفير حياة كريمة لنا، لكن كل ذلك يكون على حسابنا نحن الأبناء.
تركيز مشتت
ذكرت سونا التهتموني، طالبة جامعية، أنها اعتادت على الحديث مع والدتها، لتفاجأ بأن تركيزها لم يكن معها على الإطلاق، وقالت: تقضي والدتي وقتاً طويلاً في الحديث مع صديقاتها عبر وسائل التواصل، وفي منتصف حديثي معها أنتبه إلى أنها منشغلة عني ولا تسمعني، وهذا الأمر يضايقني لأني أشعر أحياناً برغبتي في الحديث والفضفضة معها، ما يدفعني للجوء لأختي.
وذكرت سونا أنها غالباً ما تتواصل مع والدتها عبر «واتس أب» سواء كانت داخل المنزل أو خارجه. وقالت: أثرت وسائل التواصل سلباً على علاقة الوالدين ببعضهما، ما ألغى الحوار، وأصبح لكل فرد من أفراد العائلة عالمه الخاص.
حل إلكتروني
«أمي لا ترفع عينيها عن شاشة الهاتف»، هكذا بدأت غدير الرموني، طالبة جامعية، حديثها، مؤكدة انشغال والدتها الدائم بوسائل التواصل. وقالت: أحاول التحدث معها لأجدها مشغولة دائماً، ما يدفعني لإنهاء الحديث واللجوء لأبي، حتى أصبح هذا الأمر عادياً وليس مستهجناً.
واعترفت غدير أن والدتها تضم في قائمتها ما يقارب 300 «جروب» على «واتس اب». وقالت: أمي اجتماعية إلى حد كبير، لديها علاقات واسعة، لدرجة أني لا أستطيع أن أتحدث معها، وهذا الأمر يضايقني، ولكني وجدت الحل أخيراً، فهي ترد عليَّ لو تحدثت معها عبر «واتس اب»، وفي هذه الحالة ترد علي فوراً.
وسائل تفرقة
ذكر يعرب كنعان، محاسب، أن أمهات اليوم انشغلن عن أبنائهن بوسائل التواصل، حتى أصبح لكل فرد عالمه. وقال: أصبح كل منهم يعيش في عالمه الخاص، كما تحول «واتس اب» إلى أداة التواصل بين أفراد العائلة الواحدة، ورغم أنها وسائل تواصل إلا أنها فرقت أكثر مما جمعت.
المصدر: البيان