في واحدة من الاجتراحات الثقافية اللافتة، يأتي مشروع “دروب الطوايا” الذي أعلنت “هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة” عن تنظيمه خلال فعاليات “فن أبوظبي” ليعيد إلى الأذهان واحدة من جماليات الزمن الثقافي المتعلق بالرحلة والسفر، وليحوّل المدينة نفسها (أبوظبي) إلى مشروع فني، ثقافي، تاريخي مفتوح على فضاءات فنية محلية وعربية وعالمية، سمتها الرئيسية هي التنوع والخصوبة الجمالية.
و “دروب الطوايا” هو مشروع فني سينطلق من منطقة السعديَّات الثقافية ليجوب عدداً من المواقع في أبوظبي، صانعاً مساراً تتناثر على جنباته الفعاليات الثقافية المختلفة.
ويقدم البرنامج مزيجاً متنوعاً من الأعمال الفنية المعاصرة في مواجهة الحياة اليومية في المدينة، تشتمل على عروض حركية، وأفلام فيديو، وأعمال تركيبية فنية، أمسيات شعرية، وغير ذلك.. والهدف هو دعوة الجمهور لاكتشاف التقاطعات والمساحات المشتركة بين ممارسات فنية وثقافية تنطوي على أفكار وقيم وجماليات متنوعة، من خلال الحركة والتنقل المنتظم بين أماكن تحمل في جوهرها أهمية مستقبلية وتاريخية.
التراث بروح عصرية
وقال معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: “تمثل فكرة “دروب الطوايا” فهماً مختلفاً للعناصر الفنية والتراثية في الثقافة المحلية الغنية بأساليب تعبير مميزة، فإعادة إحياء هذه العناصر بروح عصرية يعطي بعداً مختلفاً لما أبدعه الأجداد وهم يتعايشون مع الطبيعة ومكوناتها، ويعكس أيضا تطلعنا في الهيئة إلى جعل الفنون لغة يومية في حياة الناس، حيث نعمل على الحفاظ على مكتسبات الماضي وإعادة تقديمها بروح متجددة”.
من جهتها، قالت ريتا عون عبدو، المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: “يقدّم البرنامج مزيجاً متنوعاً من النشاطات الفنّية تشمل الأمسيات الشعرية، وأعمال الفيديو، والعروض الحركية المعاصرة، لتمنح الجمهور طريقاً نحو الاستكشاف. ويدعو دروب الطوايا الذي يقام في أنحاء مدينة أبوظبي الجمهور إلى استكشاف المساحات المشتركة بين النشاطات الفنية وأفكار الفرد التي ستُكشف خلال هذه الرحلة”.
وحسب ما جاء في البيان الصحفي الصادر عن الهيئة فإن عنوان مشروع “دروب الطوايا” مستوحى من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالماء والسفر ومسارات القوافل، والذي يشكل جزءاً لا يمكن تجاهله من تاريخ المنطقة ككل ولا تزال شواهده قائمة منذ آلاف السنين”.
ويوضح البيان: “كلمة طَوِيَّ والجمع (طوايا) عربية فصيحة بمعنى بئر الماء المبنية بالحجارة، التي ظلت كعلامات ومرتكزات حافظت على الدروب التاريخية كما كانت منذ القدم. ويُستخدم الجمع طوايا بمعنى الطبقات، وكأنَّ الأفكار والمفاهيم والقِيَم ستتكشف تباعاً خلال برنامج دروب الطوايا. ويتنقل البرنامج الذي يشرف عليه طارق أبو الفتوح بين عدد من أبرز معالم العاصمة الإماراتية.
القصيدة كملهمة
وتتمحور فكرة “دروب الطوايا” حول الترحال وخبرة الطريق والتطلع للوصول لوجهةٍ نهائيةٍ، وكيفية تعبير الفن عن تلك الأفكار والأحلام كما عبّر عنها الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كفافيس في قصيدته الشهيرة إيثاكا التي كتبها عام 1911م، والتي استلهمت كأحد مصادر الفكرة الأساسية للبرنامج.
وقال طارق أبوالفتوح: “سيوفّر برنامج دروب الطوايا حافلات مخصصة على مسار محدد خلال فن أبوظبي، حيث ستتوقف الحافلة خلال رحلتها في أربع محطات مهمة تُعَدُّ من أهمّ معالم العاصمة الإماراتية هي: منارة السعديات، وميناء زايد، وشاطئ الكورنيش، ومنطقة المارينا. وستستضيف هذه المحطات سلسلة من الفعاليات والعروض الأدائية التي يقدمها حشدٌ من الفنانين والشعراء وعدد من المؤسسات الثقافية”.
وستتحول عشرون حافلة من الحافلات العامة إلى عروض فنية متحركة تتجول طوال اليوم على مختلف الخطوط التي تمر في وسط المدينة، فيما هي تحمل أبياتاً من الشعر الإماراتي النبطي والفصيح، فضلاً عن تصميمات لعدد من الفنانين الإماراتيين الذين أنجزوها لهذه المناسبة وهُم: سالم القاسمي، حمدان الشامسي، وديمة الأتب، هديه بدري، هالة العاني، وريم حسن.
وتم تصميم برنامج دروب الطوايا نفسه كرحلة، حيث يتوزع برنامج العروض على أربعة مواقع ذات أهمية دلالية تعبر عن فترات زمنية مختلفة للمدينة بين الماضي والحاضر والمستقبل. رابطاً كذلك المحطات المختلفة بأعمال فنية متحركة عن طريق تدخلات لأربعة فنانين معاصرين في حافلات النقل العام، وهم: وائل شوقي، الفنان الذي شارك في معرض 2012 حيث كُلّف بتحويل إحدى الحافلات إلى عمل فني يستوحي جماليته من الجِمَالِ سوداءِ اللّون وإلقاء أبيات الشِّعر؛ و ستقوم زينب الهاشمي، الفنانة الإماراتية المعروفة بشغفها بتراث الإمارات الذي تعيد استكشافه من خلال عدسات الوسائط التجريبية والمواد الجديدة، بتولي تحويل الحافلة الثانية إلى منصة إبداعية. فيما ستتولى تحويل الحافلة الثالثة الفنانة تشاو فيه بصور وفيديو من عملها المعروف مدينة RMB؛ أما الحافلة الرابعة فسيقوم الفنانان العالميان: إيليا وإيميليا كاباكوف بتحويلها إلى عمل فني وعرض شعري. وستتجول الأربع حافلات بشكل دوري على خط حافلات مخصص لدروب الطوايا المتاح للجمهور وسكان المدينة. ويربط خط الحافلات بين مواقع لفضاءات فنية ومواقع تاريخية وأماكن عامة وتجمعات شبابية منها: سوق السمك بمنطقة ميناء زايد، وكورنيش أبوظبي الذي سيستضيف أمسية شعرية لعشرة شعراء إماراتيين على الشاطئ بالتعاون مع اتحاد الكتاب والأدباء فرع أبوظبي، بالإضافة إلى عرض هيب هوب لفرقة (Speed Battles) بالتعاون مع فناني هيب هوب من الإمارات (Spinning Turtles). و منطقة المارينا التي تستضيف بالتعاون مع نادي أبوظبي للرياضات البحرية عرضاً للفنان ريان تابت باسم “البحث عن اللؤلؤ”، حيث سيصطحب ثابت الجمهور في رحلة بحرية بالقارب حول جزيرة اللؤلؤ المواجهة للمدينة.
أما في جزيرة السعديات، كموقع يحمل في طياته تخيلاً مستقبلياً لامتداد المدينة الحضري، فتستضيف منارة السعديات عروضاً وأعمالاً لفنانين معاصرين تستكشف خبرات ومشاعر إنسانية حول معنى الرحلة والطريق من خلال مفردات حركية أو صور إبداعية أو جمل صوتية.
المصدر: الاتحاد