لا أعتقد أن ثمة أحد منا لم يقابل في حياته “أبو العريف” ذلك الشخص الذي يمتلك دائماً معلومات سرية، وتفاصيل عن كيفية تدبير الأمور والأحداث في العالم، الشخص الذي إذا أراد الإدلاء برأيه في حدث ما، بدأ حديثه ب” حدثني صديق مقرب من السلطة وهو من الثقاة”، ثم يتبعه بمعلومات أو نظريات سيؤكد على صحتها، ولكنها ستتركك في: إما ذهول تام يدفعك أن تردد في نفسك ” كل هذا ونحن لا ندري”، او استفهام ببلاهة ولسان حالك يقول “ولكن الواقع مغاير تماماً؟؟” ليعود ويؤكد لك أن ما يقوله هو الصحيح، والواقع خدعة كبيرة نحن نعيش في إطارها.

شخصية أبو العريف غالباً ما تكون قد مرت بطفولة مهمشة من قبل أصدقائه، أو حتى من قبل إخوته، أو ربما والداه، لذلك يستميت في محاولات إثبات أهميته، حيث أن امتلاكه للمعلومات الحساسة، التى لا يعرفها غيره وأجهزة المخابرات التابعة للدول القوية فقط، ما هي إلا طريقة للانتقام من كل أولئك الذين سفهوه في طفولته، وتجاهلوه في المجالس.

يتميز أبو العريف، بخبرة واسعة في طريقة إضفاء المصداقية على حديثه ومعلوماته الخطيرة، فيتعمد خفض صوته، والتحدث بهدوء تام، وبصوت عميق، والتحديق في عيون محدثيه، وذكر أرقام وبعض الأسماء الكبيرة، ذات المراكز الحساسة.

يطيب لأبو العريف الحديث عن السياسة ووضع الحكومات، بل حتى أن باستطاعته إطلاعك على ما كان يدور في خلد الرئيس محمد مرسي أثناء إعلان السيسي عزله، ويستطيع أبو العريف وبثقة لا مثيل لها أن يذكر أسماء الدول التى عرضت وما زالت تعرض على بشار الأسد، اللجوء الآمن اليها، بل باستطاعته أن يعطيك عنوان الفيلا التى سيسكن فيها، وقيمة المعاش الذي سيصرف له، واسم المدرسة التى سيدرس فيها أبناءه، وأن فلان ابن فلان هو من سيكون حارسه الشخصي، وسائقه في نفس الوقت، وقد يؤكد لك أن صدام حسين لم يشنق، وأنه مازال حياً يرزق، هو ومعمر القذافي، وان إيران ليست من تتدخل في الشؤون العراقية، وليست هي من تمد سوريا بالرجال والعتاد، وإنما من يفعل ذلك هي سويسرا ولا غيرها.

لا يستطيع أبو العريف كتم كذبه أو اللجوء الى الصمت وإن تواجد في مجلس جديد عليه، ولن يخجل أو يُحرج عندما يمتلك الآخرين معلومات مؤكدة تغاير معلوماته، سيثبت على آرائه وسيردد للجميع “إن غداً لناظره قريب” وان الأيام ستثبت لهم كم هم مغفلين ومخدوعين.

يستطيع أبو العريف، أن ينسف وبجملة واحدة صورة كل الأبطال، والشخصيات التى نتخذها كمثال أعلى لنا، فمصادره ستؤكد لنا بما لا يدعى للشك أنهم شلة مرتزقة وعملاء لدول غربية، وما مثالياتهم ومواقفهم إزاء قضايانا إلا مؤامرة ستنكشف تبعاتها لنا بعد أن يقع الفأس على الرأس.

أبو العريف، وبطريقة غير مباشرة يدعونا أن نثق به فقط، وأن نقرأ ما بين السطور من خلال مفاتيح الشفرة التى يمتلكها.
لن يتوقف أبو العريف بتشكيكنا بمنطقية تفكيرنا، بل سيشككنا في معلوماتنا العامة، وسيسعى لنسف النظريات العلمية ثم سيسعى إلى تشويه التاريخ، فمن المهم جداً لديه أن ندرك الحياة من وجهة نظره.

لنا أن نتساءل بعد كثرة انتشار ظاهرة أبو العريف بيننا، هل أبو العريف فعلاً نتاج تهميش وتجاهل أدت إلى عقدة نفسية؟! أم أنه واجهة لجهات تريد أن تبث أيدلوجيتها وأجندتها بيننا؟ تريد أن تشككنا في واقعنا وفي قناعاتنا وفي المسلمات لتتسيد على عقولنا، وتوجهنا نحو أهدافها، فأنجع طريقة لخداع الناس هي أن تقنعهم بأنك مخدوع.

خاص لـ ( الهتلان بوست )