دفعت حوادث الاعتداء والنصب والاحتيال التي يتعرض لها الكثير من الأثرياء السعوديين في الخارج، إلى لجوء عدد من رجال الأعمال إلى مراكز متخصصة في السعودية لمنحهم الدورات التثقيفية اللازمة حول حماية أنفسهم وممتلكاتهم من الاعتداء خلال سفرهم خارج البلاد.
وعلمت «الحياة» أن عدداً من رجال الأعمال و«الأثرياء» انضموا أخيراً، إلى دورة متخصصة في مقاومة الابتزاز خلال السفر، تنفذها عدد من القطاعات الأهلية والحكومية، بمشاركة عملاء سابقين في مركز التحقيق الفيدرالي الأميركي «FBI»، لتوضيح أساليب وطرق الحماية من حالات الخطف التي تنفذها عصابات منظمة لغرض السرقة وطلب الفدية.
وكشف المستشار الأمني الدكتور محمد الأنصاري لـ «الحياة» أن المجتمع السعودي يفتقد مفهوم الثقافة الأمنية، خصوصاً «الأمن المعلوماتي»، مشيراً إلى وجود عدد كبير من حالات الابتزاز، والاختطاف، وسرقة المعلومات التي تعرض لها بعض المواطنين، ورجال الأعمال السعوديين.
وقال: «لا توجد إحصاءات دقيقة لحالات الاعتداء، بسبب عدم وجود جهة رسمية تحفظ، وتفرز وتدون هذه الحالات، إضافة إلى أن تداول مثل هذه المعلومات في السعودية يعتبر ضعيفاً، وفي نطاق ضيق جداً بسبب ثقافة المجتمع».
وأوضح أنه بحسب دراسة حديثة للمخابرات الأميركية ومركز التحقيقات الفيدرالي «FBI» فإن الأميركيين هم الهدف الأول في العالم للتجسس الصناعي، خصوصاً أن الشركات الأميركية تخسر بلايين الدولارات سنوياً بسبب التجسس الصناعي الذي تمارسه الصين ودول أخرى عدة صديقة للولايات المتحدة.
وقال: « لو تمت مقارنة الاقتصاد الأميركي عالمياً، والاقتصاد السعودي إقليمياً فإن السعودية تأتي في المرتبة الثانية، وبذلك يكون الاقتصاد السعودي، ورجال الأعمال السعوديون مستهدفين بالدرجة الثانية بعد أميركا».
وزاد: «السعودية تأتي في قائمة أقوى 20 دولة اقتصادياً على مستوى العالم، وبحسب قوتها الاقتصادية، خصوصاً في العالم العربي، فإنها تعتبر من ضمن أوائل الدول المستهدفة عالمياً في مثل هذه القضايا».
ولفت إلى أن جواز السفر السعودي، مستهدف بالسرقة من جانب «العصابات المنظمة» بسبب التسهيلات المقدمة لحامل هذا الجواز، والتي من أهمها إمكان الدخول إلى عدد كبير من الدول بسهولة، وفي بعض الأحيان من دون تأشيرة، وفي حال الحاجة إلى تأشيرة، أو «فيزا» لبعض الدول خصوصاً أميركا، وأوروبا فإن استخراجها لحامل هذا الجواز يعد سهلاً، وغير معقد بعكس جوازات السفر التابعة لدول أخرى.
وأضاف أن عملية ابتزاز رجال الأعمال موجودة في أنحاء العالم كافة، إلا أن رجال الأعمال السعوديين يعتبرون الأكثر استهدافاً بسبب سرعة وسهولة كسب الأموال وتكوين ثروة في السعودية.
وأكد أن الأشخاص الذين كونوا ثرواتهم في وقت قصير وقياسي من طريق بيع الأراضي أو البورصة أو بعض الطرق المشبوهة، هم الأكثر عرضة للخطف، والابتزاز بسبب قلة خبرتهم، وقيام الغالبية منهم بعقد صفقات في الخارج تتسبب لهم في التورط في الكثير من الأمور التي من أهمها الابتزاز بطرق وأساليب مختلفة.
وذهب إلى أن أكبر مثال على استهداف السعوديين هو قيام الفيليبين بفتح تحقيق موسع خلال الفترة الماضية تحت إشراف عمدة مانيلا، وذلك بسبب كثرة قضايا الابتزاز التي تعرض لها السعوديون على يد عدد من ضباط الشرطة الفيليبينية، بعد شكاوى تقدم بها سفير السعودية في الفيليبين عبدالله الحسن، بحسب ما ذكرت صحيفة «ذا ستار» الفيليبينية.
ونبه إلى إن طريقة سفر المواطنين السعوديين ورجال الأعمال، والمتمثلة في الاهتمام الزائد بالمظهر وطريقة ارتداء الملابس، والإكسسوارات الفاخرة والثمينة، والتي تغلب على غالبيتها الأناقة تعد من الأسباب المؤدية إلى تعرضهم لحالات الابتزاز والخطف، كونهم يلفتون الأنظار إليهم بطريقة توحي إلى إمكان سرقتهم، أو خطفهم للمطالبة بفدية.
وأكد أن من أهم طرق الابتزاز وأكثرها شيوعاً هو «الابتزاز المعلوماتي» والذي ينشأ بسبب جهل الغالبية بطرق حماية معلوماتهم الشخصية حال استخدام الهواتف الذكية، أو أجهزة الحاسوب، مضيفاً أنه في الوقت الحالي، ومع الثورة الحاصلة في التقنية، والكم الهائل من تبادل المعلومات، فإن الشخص معرض للابتزاز في حال جهله للطرق الصحيحة لتأمين المعلومات.
وبيّن أنه في الدول المتقدمة أصبحت توجد دورات متخصصة بالتثقيف الأمني بكل أشكاله، وأكد أن الحكومة الأميركية تقوم حالياً بعمل دورات لمواطنيها عن كيفية التصرف خلال السفر حتى لا يقعوا في فخ الابتزاز والاحتيال والاختطاف، إضافة إلى أهم الوثائق التي يجب إتلافها في حال حدوث اختطاف.
… والمبالغة في الأناقة خلال السفر تعرض أصحابها لـ «الاعتداء»
أكد رجل الأعمال وعضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور عبدالله دحلان لـ «الحياة» أن الثقافة الأمنية لدى رجال الأعمال السعوديين تكاد تكون معدومة، وأضاف اللامبالاة وعدم الاهتمام، والثقة الكاملة تدفع رجال الأعمال في بعض الأحيان إلى حال من التسيب الأمني سواء كان لممتلكاتهم، أم شركاتهم، أم حتى أنفسهم.
وقال: «إن الأمن الذي نعيشه في بلادنا دفع العديد من السعوديين إلى تعميمه على جميع الدول والمجتمعات الأخرى، وحالات السرقات التي تحصل للممتلكات الشخصية والبيوت والمؤسسات الخاصة بالسعوديين في الخارج، وأنا أحد من تعرض لها تعتبر كبيرة جداً، وناتجة من الإهمال وعدم التعامل مع مؤسسات أمنية متخصصة، وجهات ذات علاقة بالأمن الشخصي وأمن الممتلكات».
وأضاف على «الغرف التجارية» أن تقوم بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والخارجية، والجهات الأخرى وعمل دورات، وبرامج تثقيفية مستمرة على مدار العام لرجال الأعمال لخلق روح وثقافة الأمن.
من جانبه، أكد رجل الأعمال علي الغامدي لـ «الحياة» أن السعوديين بطبعهم يميلون إلى الأناقة، والتباهي بمقتنياتهم الشخصية، وهو ما يعرضهم غالباً للابتزاز والاختطاف، مشيراً إلى أنه مع ارتفاع الوعي أصبح العديد منهم لا يظهر مقتنياته الثمينة إلا في أماكن معينة. وقال: «يوجد لدى رجال الأعمال وعي أمني، ولكنه ليس بالمستوى المطلوب، وعقد الدورات والبرامج المتخصصة ربما يكون أحد الحلول التي ستسهم في خفض نسبة الخطر الذي يتعرض له السعوديون في الخارج».
من جهته، أكد رجل الأعمال خلف العتيبي لـ «الحياة» أن الأمن هو فطرة في الإنسان، والمسألة الأمنية لدى رجال الأعمال تعتبر ركيزة أساسية، إذ إن عملهم يحتم ذلك، مضيفاً أن المعلومات الخاصة بمشاريع ومؤسسات رجال الاعمال دائماً ما تكون سرية، ولا يطلع عليها أي شخص، وهذا ما يؤكد وجود الثقافة المعلوماتية لدى رجال الأعمال السعوديين، مبيناً أن جميع رجال الأعمال لديهم وعي كاف بأمنهم الشخصي، إذ إن غالبيتهم يتحاشى الوجود في الأماكن المشبوهة، التي من الممكن أن يتعرضوا فيها لما يسيء لهم. ولفت إلى أن إقامة الدورات والبرامج الأمنية لتثقيف رجال الاعمال غير مجدية، إضافة إلى أنه لا يوجد رجل أعمال لديه الاستعداد لحضور مثل هذه الدورات، مضيفاً أن وزارة الخارجية حريصة على تثقيف رجال الأعمال، من خلال إشعارهم في حال وجود أي خطر، وذلك من طريق مخاطبة «الغرف التجارية».
جدة – أروى خشيفاتي – الحياة