داعية إسلامي من السعودية
في مكاني الذي كنت فيه، تعرفت الأعوام الماضية على مجموعة من البشر، بعضهم كان وفيا، وبعضهم لم ترد كلمة “الوفاء” في قاموسه، وفي مكاني الذي أنا فيه الآن حيث أقضي إجازة سميتها: (إجازة “لأهلك عليك حقا”) البشر كالبشر، إلا ـ أعزكم الله ـ “كلب الحراسة”؛ فبمجرد نزولي حيث تعودت عرفني ومن كان معي من أسرتي.. بداية ـ وأنا الشافعي ـ شكرت للسادة الفقهاء الذين لم يقولوا بنجاسة الكلب كالمالكية ومن وافقهم، كالإمامين أبي حنيفة، وأحمد في رواية عنه. ثم كررت الشكر لمن تناول “سؤر الكلب” بالتوسعة، وهم المالكية الذين تميزوا عن أقرانهم، وقالوا بطهارة اللعاب، معتمدين على أربعة أحاديث ساقها الإمام البخاري تحت باب: “كانت الكلاب تروح وتغدو في مسجد رسول الله على عهده صلى الله عليه وسلم”. وأجاب الإمام مالك عن “فاغسلوه سبعا” أن الغسل للتعبد، لا للنجاسة؛ وبالمناسبة نجد أن اقتناء الكلب له حكاية مع الفقهاء أيضا؛ إذ أجاز الإمام النووي اقتناءه “لحفظ الدور، والدروب” قياساً على حديث “كلب ماشية، أو صيد، أو زرع”، مستفيدا من علة الحاجة المفهومة من النص، وبنفس الفهم أجاز المعاصرون غير ذلك من المنافع كالكلاب البوليسية، وقيادة الأعمى.
سريعا تذكرت الإمام أبا بكر محمد بن خلف بن المرزبان، من طبقة الإمام الطبري، وصاحب التصانيف الكثيرة في التفسير واللغة والأدب والشعر؛ طلب منه بعض أصحابه أن يجمع لهم طرفا مما ورد في فضل الكلب ومحمود خصاله، فكتب لهم رسالة جمع فيها ما رواه الثقات من عهد الصحابة إلى وقته، وسماها “فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب”، نقل فيها بعض الأخبار التي وردت عن مواقف الكلاب مع الناس.. ذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى أعرابياً يسوق كلباً فقال له: ما هذا الذي معك؟ فقال: نعم الصاحب؛ إن أعطيته شكر وإن منعته صبر، فقال: نعم الصاحب فاستمسك به. وأن سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “كلب أمين خير من إنسان خؤون”. وأن إمام الحلم التابعي الجليل الأحنف بن قيس قال: “إذا بصبص الكلب فثق بود منه، ولا تثق ببصابص الناس، فرب مبصبص خوان”. وأن الإمام الشعبي؛ الفقيه المعروف قال: “خير خصلة في الكلب أنه لا ينافق في محبته”، وللفائدة الشعبي هو صاحب المقولة الشهيرة: “لقد أصبحت الأمة على أربع فرق، محب لعلي مبغض لعثمان، ومحب لعثمان مبغض لعلي، ومحب لهما، ومبغض لهما، وقيل له: من أيها أنت؟، قال: مبغض لباغضهما.. الكلب فيه من الأخلاق، ما ينبغي أن تكون فيمن يحسن بنا التعرف عليهم، ففيه علامات الصالحين، والمحبين، والمحسنين، والزاهدين، والمتواضعين، والخاشعين، والمساكين، فهو كما قال الإمام البصري: “لا يزال جائعاً حتى يطعم، ولا يكون له موضع يعرف به، ولا ينام من الليل إلا قليلاً، وإذا مات لا يكون له ميراث، ويرضى من الدنيا بأدنى مكان، وإذا غلب على مكانه تركه وانصرف، وإذا ضرب وطرد ودعي أجاب ولم يحقد، وإذا حضر شيء للأكل قعد ينظر من بعيد، ولا يترك صاحبه وإن جوعه وطرده، وإذا رحل من مكانه لا يرحل معه شيء، ولا له شيء يلتفت إليه”.
خاتمة:
الدلائل أثبتت أن الكلب أوفى لبلاده وزوارها من الشاتمين لبلدانهم، والمتربصين بها، والمؤيدين للمتطاولين عليها.
المصدر: الوطن أون لاين