كاتب و ناشر من دولة الإمارات
“صحيح أنك لا تعرف قيمة ما تملك حتى تفقده، ولكن الصحيح أيضاً أنك لا تعرف ماذا ستفقد حتى تفقده”، لا أعرف من القائل، ولكني عندما قرأت هذه الجملة تذكرت الفقد، وأكتشفت أن من أهم ما نملكة هو الوقت.
بعض الاكتشافات في حياتنا تأتي متأخرة جداً وأحياناً بعد ضياع الوقت. هذه الاكتشافات المتأخرة تضيف قلقاً مضاعفاً على مسيرتنا وأولوياتنا، ونتمنى، ونحن في دوامة التفكير، لو يعود الزمن ثانية لنفكر بطريقة أخرى أو نتخذ قرارات مختلفة.
وتبقى معضلة الوقت المحرك الأساسي لحياتنا في عصر لا ينتظر، يتحرك بسرعة تفوق قدرتنا على مجاراته ويضعنا أمام خيارات صعبة وفارقة، ومنها أن ننتظر ونتركه يمضي من أمامنا أو نسابق الوقت ونسبقه ويسبقنا.
قوة الوقت تجبرنا أن ننطلق معه بقوة كلما أعطينا الوقت مكانا أخذ منا زمانا. هذه التضحية دائماً تكون على حساب شيء آخر، هكذا نحن نفتقد البيت في العمل والأسرة في السفر.
أحد أقدارنا أننا لا نستطيع أن نكون في مكانين في الوقت نفسه، الوقت لا ينتظر، وقيمة الوقت في استغلال لحظاته، وقيمة اللحظات في معرفة أهميتها بالنسبة لنا وعيشها بكل تفاصيلها. الأربع وعشرون ساعة التي نقضيها يومياً تتبخر في لحظات، وتذهب معها أيام من أعمارنا قضيناها في أعمال وسفر وغربة على حساب أنفسنا وأسرتنا وأشيائنا المهمة. لهذا فالسنون لا تعوض، ولن تجد أحداً يعوضك عن وقت مضى.
لست خبيراً في فن إدارة الوقت، وأتمنى جدياً أن أجد الفرصة للتعلم أكثر أو أخذ دورة تدريبية في هذا المجال، لكني، وفي خضم هذه الحياة السريعة الوتيرة التي بلا شك لن تنتظر أحداً، كنت من الذين يقسون على أنفسهم في العمل، وعلى الرغم من ثمار الجهد كانت هناك ضريبة الوقت التي حان موعد سدادها على حساب نفسي وأشخاص مؤثرين، تمنيت أن أقضي معهم وقتا أطول، هؤلاء الأشخاص ليسوا معنا ولربما انتهى وقتهم الآن وذهبوا، وتركونا مع الوقت لينبهنا بتأخرنا في إدراكنا بأهميتهم.
أشخاص كم تمنيت لو يرجع الزمن ونقضي فترات أطول معهم، على الرغم من رحيلهم لم يبرحوا الذاكرة، عندما يغادر الزمن تبقى الذاكرة حاضرة، بعض اللحظات معهم نقيسها بحياة، وحتى التفاصيل الصغيرة جداً تبقى عالقة لا تغادر، عزاؤنا لهم ذكرياتنا معهم.
عملية التوازن ما بين الحياة الشخصية والعملية أنت من يقررها، وأنت من ينفذها. كما أننا نحتاج أن نقضي جميع أوقاتنا، نحتاج أيضاً أن ننظم جدول أولوياتنا. سنختلف جميعنا مع أوقاتنا، وسيبقى الوقت هو السيد الوحيد الذي لا يتغير
جريدة الاتحاد – السبت 03 مارس 2012