رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
جدل صحي تعيشه المجالس السعودية ووسائل التواصل الاجتماعي، جل النقاشات والاعتراضات والتأييد والرفض وما بينهما تتحدث عن مفهوم حضر في كل بلاد الدنيا وتأخر عن بلادهم عقوداً، نعم إنه الترفيه الذي غاب عن دولة يشكل فيها الشباب 70 في المائة من المكون الاجتماعي لها،
وكعادة أي تغيير حقيقي في المجتمعات ينقسم الناس ما بين مؤيد ومتحمس ومتحفظ ورافض، وآخرين يترقبون مزيداً من الوقت لتحديد مواقفهم، فرؤية 2030 تعترف ضمناً بأن نوعية الحياة في المدن السعودية تغلب عليها الرتابة وتسبب الضجر، بل إن السعوديين أنفسهم ما فتئوا يشتكون من غياب الترفيه عن بلادهم، ومع أن طوابير الحضور، وآخرين أضعافهم لم يتمكنوا من حضور الفعاليات، توضح حقيقة الحماس الحقيقي للمجتمع لحضور الترفيه، فإن أي رفض أو تحفظ من قبل البعض هو انعكاس طبيعي لأي تغيير فعلي يمس المجتمع، وفي كل الظواهر الاجتماعية، حتى وإن كانت إيجابية، فإن محاولة معارضتها هو أمر متوقع ولا يجب النظر إليه باستغراب.
لا أظن أن أحداً يمكن له أن يعارض الترفيه كمبدأ وضرورة للمجتمعات، ناهيك عن أنه صناعة رائجة تدر على الدول المجاورة موارد اقتصادية، غالبيتها من الزوار السعوديين، ربما الاختلاف على الفعاليات التي تقام ومحتواها، فهناك من يرى أنها لا تتناسب مع السعوديين، وهو أيضاً أمر مفهوم جداً، فمن حقهم إبداء وجهة نظرهم أياً كانت، وهناك من يرفض إقامتها في السعودية ويحرص على حضورها في البحرين أو دبي أو قطر، وأظن مع مرور الوقت سيبدأ حتى الرافضون في تقبل حقيقة واقعة لا مفر منها، مع التذكير هنا أنه قد تحدث أخطاء بل وفعاليات تخرج عما هو مخطط لها، وهذا أيضاً وضع طبيعي لصناعة لا تزال في مهدها، ومن الظلم الحكم على هيئة الترفيه وهي لم تكمل عاماً واحداً على ولادتها.
صناعة الترفيه ضرورة للسعوديين ليس فقط من باب الاستمتاع والتسلية وتمضية الوقت كما يظن الكثيرون، بل هناك أهداف أخرى لا ينبغي أن تغيب عن أي دولة، ومن أهمها خلق وظائف جديدة وليس فقط توفيرها، ومن المنتظر أن تساهم صناعة الترفيه، إلى جانب قطاعات أخرى، في خفض نسبة البطالة من 11.6 في المائة إلى 7 في المائة أي بما يقارب النسبة العالمية باعتبارها هدفاً أساسياً ومن الأولويات لخطة رؤية السعودية 2030، بالإضافة إلى تعزيز قطاع السياحة ضمن توجهات الرؤية الوطنية (في عام 2015 بلغ حجم إنفاق السعوديين على الرحلات السياحية الخارجية 26 مليار دولار)، ودعم المناطق والمحافظات والقطاع الحكومي والخاص لإقامة المهرجانات والفعاليات، وكذلك تفعيل دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس المراكز الترفيهية وتطويرها، وتشجيع المستثمرين من الداخل والخارج وعقد شراكات مع شركات الترفيه العالمية، وإقامة المكتبات والمتاحف، ودعم الموهوبين من كتّاب ومؤلفين ومخرجين، وإيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تتناسب مع كافة الفئات والأذواق، أيعقل أن تغيب كل هذه الفوائد الاقتصادية والاجتماعية فقط لأن هناك من لا يفهم الترفيه على حقيقته؟!
التنمية ليست اقتصاداً فحسب، ولا عمراناً متطوراً فقط، بل أيضاً بناء مجتمع سليم متوازن قادر على تحقيق العيش في بيئة مناسبة وصحية ومريحة بل ومغرية، والسعودية في الطريق إلى إحداث ثورة في ترفيه مواطنيها وتحسين قطاع السياحة وتعزيز البنية التحتية للخدمات، أما الرافضون فمصيرهم المضي في رغبة المجتمع مهما طال رفضهم واشتد نقدهم..
نقلا عن الشرق الأوسط