شكل الأكراد، منذ بداية الحرب في سورية، وقبلها، الهم الأساسي لأردوغان، فحاول احتواءهم في الداخل. فاوض عبد الله أوجلان في سجنه، وتوصل معه إلى اتفاق على وقف الأعمال الحربية في الأناضول، وانسحاب المقاتلين إلى جبال قنديل في العراق، تمهيداً للبحث في مطالبهم ووضع حد للحروب المستمرة بين الطرفين منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف.
هذا في الداخل التركي، أما في الخارج فخطط لإقامة «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية بعمق ثمانين كيلومتراً، طالباً تعاون الحلف الأطلسي والأمم المتحدة. منطقة يجمع فيها النازحين العرب ليشكلوا درعاً تمنع الأكراد السوريين من السيطرة على الحدود، آخذاً في الاعتبار ما يشكله ذلك من خطر على بلاده، فضلاً عن أن النازحين، على ما كان يأمل، سيشكلون حاضنة للمسلحين الذين يقاتلون النظام السوري، فتكون المنطقة غطاء شرعياً لهم بحجة أنهم يدافعون عن مخيمات النزوح.
لكن ما حدث كان عكس ما خطط له أردوغان تماماً. في الداخل انهارت الهدنة مع «العمال الكردستاني»، وعادت الحرب إلى الأناضول، واستأنفت المقاتلات قصف معسكرات الحزب في العراق. وانقطع الاتصال بين الحكومة وأوجلان، ولم يوافق الأطلسي على «المنطقة الآمنة»، أما الأمم المتحدة فلم تتحرك في هذا الاتجاه. لم يبق أمام الرئيس سوى إرسال قواته إلى داخل سورية. لكنه لم يقدم على هذه الخطوة الجيش رفض لأن دخوله يعني اصطدامه بالأكراد، بما يعنيه ذلك من اشتعال الداخل التركي أكثر مما هو مشتعل.
بعد سنوات من الحروب في سورية، وبعد الدخول الروسي فيها مباشرة تغيرت الصورة كلياً. جغرافية المنطقة الآمنة لم تعد موجودة. النظام و»حلفاؤه» استطاعوا السيطرة على ريف اللاذقية الذي يشكل جزءاً من هذه المنطقة. والأكراد أصبحوا على الحدود، لم يعد أمامهم سوى السيطرة على بعض القرى، أي أن دخول الجيش التركي إلى سورية أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
والأهم من كل ذلك أن العمليات الإرهابية انتقلت إلى أنقرة وإسطنبول، فضلاً عن أن الولايات المتحدة التي دانت هذه العمليات، ما زالت تعتبر أكراد سورية أحد حلفائها. قدمت إليهم الدعم العسكري عندما طردوا «داعش» من عين العرب، وما زالت تدعمهم في عملياتهم، شمال حلب.
يشعر أردوغان أن الولايات المتحدة، بدعمها الأكراد، تخلت عنه، ويشعر بـ»الحزن لأن أوباما لم يستمع إليه» عندما قال له إن الحزب الكردي السوري إرهابي. لكن الحزن وحده لا يكفي، ومن المتوقع أن يصعّد الرئيس التركي عملياته ضدهم في الداخل، وإبقاء الجبهة السورية مشتعلة لمنعهم من الاستقرار في المنطقة «الآمنة».
في معنى آخر، وقف الحروب في سورية مستبعد. فالحلفاء غير متفقين على وضع حد لها، قبل نيل كل منهم حصته في النظام الجديد، والأعداء ما زالوا متشبثين بمواقفهم. أما القضية الكردية فمرشحة لمزيد من التعقيد.
المصدر: صحيفة الحياة