شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة.
هناك أزمة قيم فلسفية فكرية وأخلاقية وسلوكية على مستوى العالم، تناقش بجدية وهلع على الأخص في الدول المتقدمة ويكثر الكلام حول ما بعد حداثة الأنوار الأوروبية، وما بعد حداثة الليبرالية الغربية، اللتين هيمنتا على العالم عبر قرون عدة.
وبالمثل، لنا نحن العرب أزمة قيم خاصة بنا، إضافة إلى مشاركتنا، ولو جزئياً، ولكوننا من بين المناطق التي خضعت للاستعمار وثقافته وقيمه ردحاً من الزمن، في مواجهة تلك الأزمة العولمية. وهي أزمة مرتبطة إلى حد ما بالتشوه الذي أصاب الكثير من قيمنا التاريخية التراثية التي تحدثنا عنها في مقال سابق، والتشوه الذي أصاب القيم التي أضافها الإسلام بزخم كبير وتشذيب هائل، في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، كما بينا في مقال الأسبوع الماضي. وندرك أهمية تلك الإضافة عندما نعرف بأن القيم هي جمع كلمة قيمة التي وردت مشتقاتها ودلالاتها بما يزيد على ال650 مرة في القرآن الكريم وحده.
في مقال اليوم سنبرز أهم مكونات الأزمة القيمية التي تواجهها مجتمعات الوطن العربي بظلالها ومستوياتها المختلفة في اللحظة التي يعيشها هذا الوطن.
أولاً: أكبر وأعمق أزمة قيم نواجهها تقع في حقل الفكر السياسي العربي الحالي، وعلى الأخص في الأيديولوجية القومية. هناك تراجع قيمي في موضوع هوية العروبة الجامعة، تراجع في أولوياتها ومقدار فائدتها؛ بل وحتى في ضرورة تواجدها. هذا التراجع بدأ يعكس نفسه في الواقع الحياتي فيما بين الأقطار العربية، من صعود مذهل في الصراعات العبثية فيما بينها، ومن تخلي البعض عن التزاماته تجاه قضايا قومية كبرى. وفي خضم ذلك التراجع أصبح شعار الوحدة العربية فجأة شعاراً هامشياً، وأصبح كل نشاط يقود إلى تلك الوحدة نشاطاً مهملاً، كما هو الحال بالنسبة للأمن القومي والمشاريع الاقتصادية المشتركة على سبيل المثال.
بل إن الوطنية الجامعة في القطر العربي الواحد فقدت مكانتها القيمية لتحل مكانها القيم العشائرية والعرقية والدينية المذهبية. وهذا بالطبع يهدد مستقبلاً الانتقال إلى القيم الديمقراطية المعروفة، كالمواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص الحياتية والكرامة الإنسانية، مما يهيئ الأجواء للفساد المالي والسياسي والاقتصادي.
ثانياً: ولا توجد فجيعة أكبر من التراجع في قيمة التسامح الإسلامي أو التعايش مع الديانات الأخرى أو حرية المعتقد، كما فجرتها ومارستها القوى العنفية والإرهابية الإسلامية في السنوات الأخيرة على الأخص. وهذا موضوع بالغ الأهمية، لأنه لم يعد في يد من يحملون أوزاره؛ بل أصبح في يد القوى الاستخباراتية الأجنبية الممولة والداعمة له. وهو مرتبط أشد الارتباط بموضوع كبير: موضوع المراجعة الضرورية الشاملة لتنقيح ما علق بالتراث الإسلامي من خرافات وأكاذيب واستعمال انتهازي.
ثالثاً: وهناك إشكاليات كبرى في التراجع القيمي الأخلاقي: في العلاقات الأسرية، وعلاقات الفرد مع الجماعة، والكثير من السلوكات العبثية، وفي العنف ضد المرأة، وفي عوالم المخدرات المتعاظمة.
رابعاً وأخيراً: هناك إشكالية التراجع القيمي الكبير في حقول الاقتصاد من مثل عدم عدالة توزيع الثروة، وانتشار الفقر والبطالة، وتخلي بعض الدول العربية عن مسؤولياتها في الرعاية الاجتماعية.
هذه فقط أمثلة للتراجعات القيمية التي تمثل أزمة كبرى قد تتفاقم في المستقبل إلى حدود الكوارث. والسؤال المفصلي: ما العمل؟
المصدر: الخليج