كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
في زمن التخلف والانحطاط، يهبط المثقف والمفكر العربي من ملكوته العالي ليتحول إلى إسطوانة من الردح واللمز التي يترفع عنها حتى العوام والدهماء. في مثال المقاربة يظهر إلينا المفكر العربي المصري الكبير يوسف زيدان وهو يقول إنه لا يعرف لوسط جزيرة العرب سطراً في كتب التاريخ ولا أثراً يذكر لموروث من الحضارة الإنسانية. وأنا لا أشعر بالأسى ولا الأسف لما قال بالتحديد، لأن ذلك وارد من باب توظيف المفكر كجيب خفي في عباءة المدرسة المؤدلجة وقد سمعت مثل هذه الجملة في حياتي عشرات المرات من قبل. أشعر بالأسى والأسف فقط لأن يوسف زيدان، وبكل وضوح وصراحة ومكاشفة، جاهل بتاريخ اللسان الذي أوصل إليه وإلى قومه الكرام “لسان العرب”، وجاهل بالحضارة التي أوصلت إليه أبجدية اللغة التي يكتب بها ذات زمن التقابل القديم ما بين التقاء الحضارتين العربية والقبطية المصرية العزيزة.
أنا هنا، أستاذي الكبير، أتكلم ذات لسانك، وأكتب نفس الحروف منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، ولك أن تقرأ كل ما بين الأسطر. يكفيني منك أننا انتظرنا عشرات القرون حتى جاء إلينا مبعوث آثار فرنسي في القرن الماضي ليفك حروف “الهيروغلوفية” المنقوشة على صخور مآثر وآثار حضارة أهلك التاريخية.
أستاذنا الكبير، يوسف زيدان: أنا خريج مدرسة تؤمن بحضارات وتاريخ كل الشعوب، وعلى رأسها بل تاجها الكبير ذلك الإرث المصري الخالد الذي سيظل وحتى نهاية التاريخ بذرة الحضارة الإنسانية الأولى فلا جدال على حرف واحد مما قلت. لكنني أدعوك، أيها المؤرخ الكبير، أن تتدبر سيرة من سكنوا هذه الصحراء، ومن القرآن الكريم، بدءاً من قول أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) حتى إلى المصطفى محمد وصحبه، ومروراً بما كل ما بينهما من الأقوام: من إرم ذات العماد إلى مدائن صالح. وقد تخرج منها ثم تقول إنها ليست حضارة آثار وأحجار، ولكنني هنا سأدعوك وعلى خطى العرب كي نذهب إلى آثار الرجال الذين غيروا وجه هذه الأرض من وسط هذه الصحراء وأنت المؤرخ الذي لم تر لهم سطراً في بطون هذا التاريخ. دعنا نذهب سوياً إلى قبر محمد بن القاسم الثقفي خلف مشرق الشمس، وإلى أساطير صقر قريش خلف مغربها، فهؤلاء الاثنان يا سيدي أبناء حارة واحدة. دعنا بعدها نقرأ في كتب التاريخ أيضاً قصة صغيرة جداً لما فعله أبناء مروان بن الحكم وأحفاد العباس، ثم نمر لدقائق على عمرو بن العاص من قبلهما، ولك أن تكتشف صدفة وللمرة الأولى مآثر هذه الصحراء وعبقرية بطحاء مكة. أستاذي الكبير: بذرة التاريخ الأولى في أي أمة هي من تنبت شجرة الحضارة والتاريخ أفراد، والأفراد هم صانعو الحضارة. تعال معي لنتثاقف حول هذه الحقائق أنى شئت وأين أردت: على ضفاف بلاد ما وراء السند أو في قصور الحمراء وقلاع غرناطة. أولئك أجدادي….
المصدر: الوطن السعودية