كاتب سعودي
لو لم يكن إلا يوم 8 يونيو (أمس الأول) بعد كل ما مرت به مصر من متاعب وأخطار وأهوال لكفاها، ولو لم تكن سوى تلك اللحظات ما بين المحكمة الدستورية العليا وقصر الاتحادية ثم قصر القبة لكانت بلسما لكل آلام مصر منذ 25 يناير 2011. مصر كعادتها عبر التأريخ تنهض كطائر الفينيق بعد كل أزمة يظن من لا يعرفها أنها لن تتجاوزها، بل وتؤسس لشيء جديد غير معهود. تذكروا أن مصر أسست تأريخا جديدا في هذا اليوم ودشنت مصطلحا غير مسبوق في العالم العربي هو «الرئيس السابق». كم كان تأريخيا ذلك المشهد والرئيسان يترافقان أثناء قسم اليمين الدستورية وتسليم وثيقة حكم مصر، ويجلسان معا أمام المحتفلين بمصر في قصر الاتحادية، ويدخلان يدا بيد إلى قصر القبة، ثم يخطب الرئيس السابق مرحبا بالرئيس الجديد، ويخطب الجديد شاكرا السابق ومقدرا تحمله للمسؤولية خلال فترة مفصلية في تأريخ مصر. يا له من يوم يشفع لكل ما مضى. عادت سجادة القطر المصري إلى قصر الاتحادية بعد أن سحبها وطواها ساكن القصر السابق وأراد بهذه الخطيئة الرمزية أن يلغي مصر كوطن ضارب في أعماق الزمن والتأريخ.
حضارة مصر كانت في غاية نشوتها، وهيبة مصر كانت تنفض الغبار من جبينها، وعراقة مصر كانت تستيقظ من المخدر السام الذي حقنه في أوردتها لصوص التأريخ. أولئك هم المصريون الحقيقيون الذين انتشروا في حديقة قصر القبة مساء الأحد خلال حفل تنصيب الرئيس السيسي، المصريون الذين يعيدون إلى الأذهان صورة مصر التي رسخت في وجدان كل عربي، مصر العلم والثقافة والأدب والفن والمؤسسات العريقة والقامات السامقة في كل مجال، وليس عصابة الخونة وقطاع الطرق ومدمني الإرهاب وإراقة الدم التي توهمت أنها ستلغي آلاف السنين من ارتباط المصري بأرضه وعشقه لها واعتزازه بها.
فقط قارنوا بين الهمجية التي صاحبت دخول مندوب عصابة المقطم إلى قصر الاتحادية ورقي دخول المصري الحقيقي الذي أنقذ مصر من تلك العصابة. قارنوا بين من دخل القصر وهو يتشفى من مصر وبين من دخله وهو يحتضن مصر في ضميره ويفخر أن الأقدار منحته شرف خدمتها. قارنوا بين الذين يحترمون الشعب والذين يسخرون منه. قارنوا بين رئيس يستمد كل مشاعره وأحلامه وثقته من مصر، وبين رئيس «أصله ما عدّاش على مصر».
المصدر: عكاظ