كاتبة لبنانية
ما إن أنهى مراسل قناة NBC الأميركية أيمن محيي الدين تغطيته المباشرة وتقريره المؤثر عن مأساة مقتل أربعة أطفال على شاطئ غزة حيث كانوا يلعبون بالكرة وكان هو نفسه قد شاركهم اللعب قبل أن تقصفهم وتقتلهم الطائرات الإسرائيلية المغيرة بدقائق كما روى، حتى طلبت منه القناة مغادرة غزة فورا وتم استبداله بمراسل آخر. ولم تلبث صحيفة «نيويورك تايمز» أن نشرت خبرا عنوانه «مقتل أربعة أولاد كانوا يلعبون على شاطئ غزة» حتى عادت وبدلت العنوان بصيغة ملتبسة. ولم تكد مراسلة CNN ديانا ماغاناي تنتقد في تغريدة لها مستوطنين في «سيدروت» صوّرتهم يتابعون من على تلة قصف غزة ويحتفلون فوصفتهم بأنهم «حثالة» حتى سحبت القناة المراسلة واعتذرت.
طبعا، لا تشكل الوقائع هذه كشفا جديدا بشأن الخصوصية والمحاباة اللتين تتمتع بهما إسرائيل في تغطية الإعلام الأميركي والغربي. فمع كل تصعيد أمني إسرائيلي فلسطيني تشتعل جبهات الرأي العام ويستنفر اليمين الإسرائيلي وأذرعه الغربية لتظهير وجهة النظر الإسرائيلية فيدور جدل صاخب حول من المعتدي ومن الضحية.
لكن تلك المحاباة التي تحظى بها إسرائيل ليست الوجه الوحيد للمقاربة الإعلامية الأميركية والغربية وهذا ظهر في أكثر من حرب وتصعيد وها هي الآن حرب غزة تعيده إلى واجهة النقاش الإسرائيلي الغربي قبل أن يكون نقاشا عربيا وفلسطينيا. فالارتباك الذي وقعت فيه أكثر من وسيلة إعلامية لم يسجل نصرا لإسرائيل بل هو ضاعف من النقد حيال ما ترتكبه. صحيح أن صحيفة «نيويورك تايمز» قد عدلت في عنوانها عن مقتل أطفال شاطئ غزة لكن الحكاية نفسها بقيت ومعها رواية مصور الصحيفة الذي شهد المأساة خاتما مقالته بأن «طول الأولاد الأربعة لا يتجاوز بضعة أقدام وهذا لا يشبه مسلحي حماس». نفس الصحيفة نشرت مقاربة بين حجم الخسائر الفلسطينية وهي تجاوزت المائتين وخمسين قتيلا والخسائر الإسرائيلية وهي قتيل واحد وهو ما أشعل نقدا إسرائيليا ضدها.
ليست «نيويورك تايمز» وحدها، فجولة على كتبة مقالات اليمين الإسرائيلي تظهر مدى السخط الذي يبديه هذا الوسط حيال الإعلام الغربي وتغطيته للحرب على غزة عادين أن هناك انحيازا للفلسطينيين.
في الإعلام الغربي ومهما قوي ذراع اليمين الإسرائيلي، فالنبرة الناقدة لإسرائيل تعلو مع قصص الخسائر البشرية الفلسطينية. ومهما حاول الإسرائيليون تظهير «الهلع» الذي يصيب الهاربين من صواريخ «حماس» فهو لا يقارن مع صورة 4 أطفال قتلى على شاطئ غزة فيما مستوطنون في «سيدروت» يتابعون القصف على غزة وهم يأكلون «البوب كورن».
أطفال عائلة «البكر» محمد وعهد وزكريا وإسماعيل كانوا يلعبون على الشاطئ حيث انفجر بقربهم صاروخ إسرائيلي فقتلهم. بفضل فندق «الديرة» المجاور للمكان كانت تداعيات هذا الهجوم مختلفة إذ جرت مشاهدته وتسجيله من قبل عدد ضخم من الصحافة الغربية العالمية. كل الصحافيين رووا القصة كما شاهدوها وبدا تأثرهم واضحا بها. الوقائع الثقيلة أقوى من أن تتمكن الضغوط الإسرائيلية من حجبها. ووسائل الإعلام العالمية التي عاقبت مراسليها لأنهم نقلوا الواقع لم تتمكن من وقف التغريدات والحملات المتضامنة مع الصحافيين المستهدفين من مؤسساتهم والناقدة لما ترتكبه إسرائيل.
لم تعد الضغوط على مؤسسات الإعلام التقليدية تجدي، فالإعلام البديل لا يمكن ضبط أصدائه.
المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/142501