كاتب وصحفي سعودي
تزوجت السيدة نورة قبل نحو 20 عاما من ابن عمها. كافحت في سنواتها الأولى لتنجب طفلا دون جدوى. راجعت أكثر من طبيب واستشاري وكانت كل النتائج تشير إلى أنه لا توجد لديها أي مشكلة. سألها الطبيب أن يقابل زوجها ليجري له بعض الفحوص ليرى إذا كانت لديه أي مشكلات صحية. أظهرت النتائج أن الزوج عقيم ومسألة إنجابه شبه مستحيلة. خضع الزوج لفحوص أكثر من مركز طبي متخصّص في السعودية وخارجها أكدت صحة تشخيص الطبيب. تعلق الزوج ببصيص أمل وأخذ عديداً من الأدوية وأجرى عمليات عدة لكن لم يكتب الله لها النجاح.
بعد نحو سبع سنوات من المحاولات الممضة عرض الزوج على نورة أن ينفصل عنها حتى تتمكن من الزواج من شخص آخر ينجب لها وتنعم بطفل يملأ عليها حياتها. رفضت رفضا قاطعا. ضحت بالأمومة. شغلت نفسها بعمل الخير وركزت على الأطفال الفقراء والأيتام. كانت تعمل معلمة في الصباح وفي المساء تنتقل من منزل إلى آخر لتهدي الأطفال الملابس والهدايا المتنوعة وساعات تقضيها بينهم تقرأ عليهم القصص.
تخبرني نورة أنها انشغلت طوال الأيام الماضية بحضور حفلات تخرج أبنائها الصغار. تقول في رسالة إلكترونية بعثتها لي من جدة إن أمهات كثيرات دعونها لحضور حفل تخرج أبنائهن لأنها أسهمت في إسعادهم يوما ما. تسألني في ختام رسالتها: “ألست أغنى أم؟ من لديه مثل هؤلاء الأطفال الجُمَال؟”.
استطاعت نورة أن تترك آلامها خلفها وتمضي قدما. أدركت أن الحل الوحيد لمقاومة ظروفها وشعورها بالفقد هو فعل الخير. إسداء الخير هو الشيء الوحيد الذي كلما قمت به زاد. لدى نورة أطفال في كل حي يترقبونها وينتظرونها أكثر من ذويهم لتمنحهم هداياها ووقتها وابتسامتها.
لا شيء يرعب مشكلاتنا ويجعلها تفر منا سوى أن نقوم بأشياء إيجابية في محيطنا. لن تجد مشكلاتنا مكانا تقيم فيه في رؤوسنا. فرؤوسنا حشوناها بما هو أسمى وأشهى.
واجه حزنك بعملك فهو العاصفة التي تقتلع آلامك. وتذكر أن الخفافيش والأوهام تسكن الأماكن الرتيبة المظلمة.
المصدر: الاقتصادية