كاتب متخصص في الإدارة
المصطلح الشائع «أكرمنا بسكوتك» يطلقه البعض على سبيل الدعابة المبطنة بالامتعاض من كلام المتحدث.
ويبدو أننا في عصر أصبحنا فيه بحاجة ماسة إلى استخدام هذا المصطلح القاسي على البعض لا سيما أولئك المتطفلين الذين يدلون بدلوهم في موضوعات حساسة، وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل فيدفعون السامعين وربما كبار المسؤولين إلى قرارات مصيرية في الاتجاه الخاطئ. ومن يحتاج أن يكرمنا بسكوته ذلك المثبط الذي يهبط من معنويات المنتجين الفاعلين في عملهم ومجتمعهم ولا يريد أن يغرس غرسا نافعا. فالمثبط لا يطول عنقود العنب فيصفه بأنه حامض ليحرم غيره من بلوغه. ويجب أن يكرمنا بسكوته من لا يتورع عن توجيه سهام النقد يمنة ويسرة، وينسى أنه لو اشتغل بعيوبه لأفنى عمره ولم يصل إلى عتبة الكمال.
وليت المجادل يكرمنا بسكوته، حينما يصر على خوض جدال عقيم فيزيد الطين بلة أو يجادل في أمر لا يفقه فيه شيئا فيفسد متعة الإصغاء إلى الآراء السديدة.
والمشكلة ليست دائماً في الطرف الآخر، بل بتعاملنا معه، فنحن مثلا نخطئ حينما نجادل الأحمق «فيخطئ الناس في التفريق بيننا». ولذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حينما قال: «أرى الرجل فيعجبني فإذا تحدث سقط من عيني». فكم من متحدث متسرع كشف بتفاهة طرحه ستر عيوبه. فالسكوت ستر للجاهل وفرصة لتعلم شيء جديد. ولذا أعجبني رد شاعرة كويتية حينما سألتها ما رأيك في القضية الفلانية؟ فقالت: «سمعت وقرأت عنها لكنني لم أكون رأياً بشأنها بعد». وكان هذا رد حكيم بأنها آثرت الصمت على الكلام ربما لتفهم أكثر أبعاد الموضوع. وهذا يجرنا لقضية مهمة، وهي أن الإنسان ليس مطلوبا منه أن يكون رأيا في كل شيء، فنحن لسنا في مناظرات على مدار الساعة. فمن متع الحياة أن تنصت لآراء الناس وتعابيرهم وربما مشاحناتهم من دون أن تدخل معهم في ملاسنة لفظية بالضرورة. فقد تولد لحظات التأمل والاستماع للناس أفكارا أعمق تستحق حينها أن تظهر للعلن، عندئذ لا ينطبق علينا قول: «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
ولنتذكر جميعا أن مصطلح «أكرمنا بسكوتك» يأتي أحيانا بصيغة نظرات امتعاض على أمل أن نفهم منها رسالة أن «لكل مقام مقالا». وكما قيل، «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب» أحيانا.
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=786689