كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
في الحوار الذي أجرته جريدة «البيان» يوم الثلاثاء الماضي، مع العالم الإماراتي الشاب الدكتور أحمد عيد المهيري، صاحب لقب أول إماراتي يحصل على قبول لدراسات ما بعد الدكتوراه في معهد الدراسات المتقدمة في «برينستون» بالولايات المتحدة الأميركية، الذي يعتبر أبرز معهد لبحوث الفيزياء النظرية في العالم، والذي عمل فيه العالم الشهير «ألبرت آينشتاين» في العقدين الأخيرين من حياته، في هذا الحوار لفتت نظري التحديات والصعوبات، التي واجهت الدكتور أحمد عندما قرر اختيار دراسة علم الفيزياء، والمخاوف التي أبداها أهله وأصدقاؤه من دراسة هذا التخصص، واستغربت كيف يمكن أن تكون دراسة تخصص علمي مثل هذا مصدراً للقلق.
يقول الدكتور أحمد المهيري: إن أول تحد واجهه في مرحلة التقدم للبكالوريوس هو ردود فعل الكثيرين من حوله إزاء صعوبة الحصول على وظيفة في مجال الفيزياء بعد التخرج، لذلك اختار تخصصاً يركز على الهندسة في السنتين الأولى والثانية، ثم على الفيزياء في السنتين الثالثة والرابعة.
وقد أثر هذا القرار على درجاته الدراسية بشكل ملحوظ في البداية، لعدم تقبله مواد الهندسة، لكنه عندما بدأ دراسة مواد الفيزياء تذكر شغفه بها، فأظهر تفوقاً ملحوظاً، وتميزاً علمياً ودراسياً، وأصبح من المتفوقين في نهاية دراسته الجامعية.
ويضيف: «إن إقبال الشباب الإماراتي على دراسة العلوم كالفيزياء وغيرها ضعيف، ولكن المشكلة ليست كامنة في الشباب، فأنا قابلت الكثير منهم، ممن كان يطمح في التخصص في هذه المجالات العلمية، ولكن تحاشاها مخافة عدم الحصول على وظيفة»! ويتمنى الدكتور أحمد في نهاية حديثه أن يرى عدداً أكبر من شباب الإمارات في المجالات العلمية البحثية، بهدف بناء مجتمع ذي ثقافة علمية، كما يتمنى أن يكون في دولة الإمارات مركز لأبحاث الفيزياء النظرية، تقام فيه المؤتمرات العلمية، وأن يكون وجهة للعلماء البارزين من كل أنحاء العالم.
هذا التحدي الذي واجه الدكتور أحمد المهيري، وهو يختار دراسة الفيزياء، ربما يبدو غريباً في دولة تشجع العلم والعلماء، وتقدم قيادتها نموذجاً فريداً في استثمار العقول، وتشجيع أصحاب التخصصات العلمية.
وقد أنشأت مجلساً للعلماء، يعمل على تقديم المشورة لمجلس الوزراء في ما يتعلق بالتوجهات المستقبلية للحكومة، والاستراتيجية الوطنية للعلوم والابتكار، وتشجيع الدراسات والأبحاث المتقدمة والتخصصية في مختلف المجالات العلمية، وتحفيز التعاون والتنسيق بين المؤسسات العلمية والبحثية في القطاعين الحكومي والخاص، بهدف خلق بيئة محفزة على الابتكار والبحث العلمي، تساعد على بناء جيل من العلماء في مختلف المجالات العلمية.
كما أنه تحدّ غريب في ظل تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أكثر من مناسبة، أن العقول والمواهب الشابة، التي تتسلح بالعلم والمعرفة، هي الثروة التي لا تنضب، وهي لبنات الحضارة والازدهار، فكيف يمكن أن يواجه عالم إماراتي شاب، متخصص في واحد من العلوم الحيوية المهمة، صعوبة في الحصول على وظيفة في مجال تخصصه بعد تخرجه؟
نعتقد أن ثمة خللاً في مكان ما لدى بعض الجهات، التي لا يتفق نهجها مع توجهات القيادة التي تهتم بالعلم والعلماء، وتشجع المتميزين من أبناء الوطن في كل المجالات.
كما نعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يكون في صلب اهتمام مجلس علماء الإمارات لأنه من اختصاصه، خاصة أن هذه الحالة لا تقتصر على خريجي الفيزياء وحدهم، وإنما هناك تخصصات علمية أخرى، يعاني خريجوها من عدم توفر مجالات العمل التي تناسب تخصصاتهم، لذلك يضطر بعضهم إلى قبول وظائف لا تتوافق مع تخصصاتهم العلمية، وإن كانت قريبة منها، بينما يتوجه بعضهم الآخر إلى العمل في مجالات لا علاقة لها بتخصصهم، فيكونون بذلك قد أهدروا سنوات من عمرهم في دراسة تخصص لم يجدوا مجالاً للعمل فيه.
من هؤلاء على سبيل المثال، خريجو علم الجينات، الذي يعتبر واحداً من أهم العلوم الحديثة، فخريجو هذا التخصص يعانون أيضاً من عدم وجود مراكز أبحاث متخصصة، يستطيعون من خلالها ممارسة ما درسوه وتطبيقه، لذلك يضطر الكثير منهم للعمل في مختبرات المستشفيات، التي ليست هي المكان المناسب لهم، بينما يختار بعضهم الآخر العمل في مجالات أخرى بعيدة عن تخصصهم، ومن ثم لا يجدون حافزاً لمواصلة دراساتهم العليا في العلوم التي درسوها.
لقد حبا الله دولة الإمارات قادة يستطيعون رؤية بقعة الضوء من على مسافة بعيدة، ويبثون الأمل في نفوس البشر رغم المآسي التي تحيط بهم. وفي دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاستئناف الحضارة وسط هذا الظلام، الذي يحيط بالأمة خير مثال على البصيرة التي يتمتع بها سموه.
لهذا نعتقد أن أمنية العالم الإماراتي الشاب، الدكتور أحمد المهيري، أن يرى في دولة الإمارات مركزاً لأبحاث الفيزياء النظرية، تقام فيه المؤتمرات العلمية، تعبر عن أمنيات عدد كبير من أبناء وبنات الدولة، الذين قضوا سنوات من عمرهم يدرسون علوماً حديثة يتسابق العالم إلى دفع أبنائه للتخصص فيها، ويتمنون أن يروا في وطنهم مراكز متخصصة، يمارسون فيها أبحاثهم، ليقدموا نماذج نماذج يفخر بها الوطن، تماماً مثلما فعل الدكتور أحمد المهيري، الذي يقول إنه لا يفكر في العمل أو الاستقرار في مكان سوى الإمارات، مؤكداً أن الدولة تستحق منا الكثير، وسيحرص على بذل جهده وإمكاناته لرفع رايتها، والمساهمة في بناء مستقبل مشرف لها.
المصدر: البيان