عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
في 21 أغسطس 1969م قام متعصب مُتصهين باشعال النار في المسجد الأقصى، وكاد الحريق يأتى على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، حيث حرص الصهاينة على تأخير وصول سيارات الاطفاء، إلا أن الفلسطينيين وبامكانياتهم البسيطة نجحوا في إنقاذ بقية المسجد من أن تأكله النار، وسط صدمة شعبية إسلامية، ونُقل وقتها عن رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك جولدا مائير: «لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجاً من كل حدب وصوب لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء فهذة أمة نائمة».
أدى الحدث إلى ردود فعل شعبية وسياسية في العالم الإسلامي، وبعد الحادث تمت الدعوة إلى أول مؤتمر قمة إسلامي في الرباط في الفترة من 22 إلى 25 سبتمبر 1969م، ودُعيت إليه 36 دولة، حضر منها 25دولة من بينها إيران وتركيا، ونتج عن مؤتمر الرباط اعلان ولادة منظمة المؤتمر الإسلامي، وتم عقد أول مؤتمر لوزراء الخارجية بجدة في مارس 1970م، وتم اختيار القدس الشريف كمقر للمنظمة على أن يكون المقر مؤقتا في مدينة جدة السعودية، ورغم أن هناك من يرى أن المنظمة لم تقدم المأمول إلا أن بقاء المنظمة واستمرارها في تنسيق الحد الأدنى من المواقف السياسية بين الدول الإسلامية وتحولها كثاني أكبر منظمة دولية هو إنجاز في حد ذاته.
في الأول من يناير 2014م تسلم الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي أول أمين عام سعودي، وهو الوزير السابق الأستاذ إياد بن أمين مدني وسط ظروف اقليمية ودولية صعبة، حيث يعاني العالم الإسلامي من الاضطراب والتشتت السياسي والمذهبي والطائفي والاجتماعي، كما تتعرض كثير من دوله لتحديات سياسية واقتصادية جدية.
أمام الأمين العام تحديات حقيقية وأهمها: تخفيف حدة الحرب الباردة الإسلامية- الإسلامية، والوضع الكارثي في سوريا، والاقتتال الطائفي في العراق ولبنان، ووضع مسلمي بورما، والوضع غير المستقر في مصر، كما أن أمام الأمين العام الجديد تحديات تعثر عملية السلام، واستمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلي وخاصة في القدس الشرقية والمشاريع التي تهدد الحرم القدسي واستمرار الانشقاق الفلسطيني وحصار غزة، مما يمثل تحديا أمامه لاقناع مسئولي الدول الإسلامية لبذل جهود وتنسيق أفضل وصولا لتقليل الخسائر السياسية الاسلامية.
البعض يرى أن المسألة تتطلب حدوث معجزة للنجاح، لكن يظل الأمل موجودا، فالأمين العام لديه رؤية وخبرة سياسية كافية وعلاقات إقليمية ودولية مميزة وكونه يحمل جنسية دولة المقر قد يعطيه وزنا سياسيا إضافيا، وما يحتاجه أن يكون جميع قادة الدول الإسلامية على قدر من التعقل والعقلانية؛ لتقدير الأخطار المحدقة ومنحه الفرصة في اطفاء بعض الحرائق وخاصة الحرب الطائفية وهي التهديد الأبرز والذي قد يكون -لا سمح الله- أخطر من حريق المسجد الأقصى المؤلم.
الأمين العام الجديد سيبدأ جولته الخارجية من أنقرة، فالرباط (حيث تجتمع لجنة القدس)، فجنيف، فطهران وصولا إلى زيارة جميع الدول الأعضاء ولسان حاله ربما يقول (دعم المنظمة مسئولية جماعية لا تخص دولة دون أخرى، ويجب على الجميع أن يكون على قدر المسئولية، فالأحداث تتسارع ووضع العالم الإسلامي لا يسر كثيرا).
أخيرا، مسئولية مواجهة الإنقسام الإسلامي – الإسلامي لا يجب تركها للمنظمة والحكومات فقط، بل هي مسئولية مشتركة تتطلب مشاركة النُخب الدينية والسياسية وقادة الرأي والشعوب الإسلامية -أيضا- لوقف الانزلاق لحرب طائفية لن تُبقي أحدا.
المصدر: اليوم السعودية