كاتب سعودي
كوبا، الدولة الفقيرة التي عزلها الغرب لنصف قرن، اقتصادياًً وسياسياً وتقنياً، حققت أفضل نجاح تطبيقي في الطب وبزت به الدول العاتية الفاحشة الثراء التي تحاصرها. كذلك صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، بموارده المقارنة المحدودة، حقق أفضل النتائج التطبيقية في إيصال المساعدات لمن يستحقها في الدول النامية بفعالية بز بها كل صناديق التنمية الدولية، تلك التي تخلط السياسة بالمصالح بالمساعدات التنموية.
سبق أن عرضت تجربة كوبا الرائدة في مكافحة مرض المناعة المكتسب (الإيدز) خلال مقابلة مع الأستاذ تركي الدخيل في 5-4-2013م، برنامج إضاءات. كان محور الحديث عن كون تلك الدولة الفقيرة المحاصرة قدمت للعالم أنجح تطبيق عملي على مستوى العالم للسيطرة على مرض الإيدز بجهودها الذاتية وبتكاليف زهيدة يصعب تصديقها في تلك الدول الباذخة الثراء والقدرات. لكن ذلك كان الحقيقة التي استحقت بها كوبا الثناء في المؤتمرات العالمية عن هذا المرض الشرس. سبق أيضا أن كتبت في هذه الزاوية بتاريخ 14-7-2014م مقالاًً بعنوان: أوفيد، التنمية ومحاربة الفقر بمعزل عن السياسة. محور المقال كان عن تميز صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) عن صناديق التنمية العالمية الأخرى، بكونه يعمل خارج السياسات والعقائد والمذاهب والجغرافيا، ليحارب الفقر فقط.
مرت الأيام ونسيت تجربة كوبا في التطبيق الطبي وتجربة أوفيد في التنمية، ثم ذكرت التجربتين وهما متكاملتان في مجهود واحد، بمناسبة ترشيح حملة كوبا الطبية لمكافحة فيروس إيبولا، لجائزة نوبل للسلام عام 2015م، وبموافقة اجتماعية في المؤتمر السنوي للاتحاد النرويجي المنظم للجائزة. صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) كان هو الصندوق الأكثر سخاء والتصاقاً في تمويل الحملة الكوبية في غرب إفريقيا للقضاء على هذا الفيروس الشرس.
الوكيل والممثل الخاص لأمين عام الأمم المتحدة في الصحة الدولية لمكافحة مرض إيبولا قدم الشكر المستحق لصندوق أوبك وللدولة الكوبية على مساهمة كل منهما في تقديم أكبر الفعاليات الميدانية في الحملة، مقارنة بمنظمات وصناديق الدول الأخرى. ممثل أمين عام الأمم المتحدة لتنسيق الجهود هناك أكد على قوة الرسالة التي وجهها التعاون بين دولة كوبا وصندوق أوبك للتنمية الدولية للســــيطرة عـــلى أشرس وباء فيروسي يهدد العالم في الوقت الحاضر.
الطاقم الطبي الكوبي، بإمكانيات دولته المحدودة ولكن بعزيمتها الفائقة القوة، وصندوق أوفيد بمحدودية موارده ولكن بمرونة شروطه التنموية، مقارنةًً بصناديق الدول الباذخة الإمكانيات، هذان الكيانان الممثلان لما يسمى بالعالم النامي قدما أنجح تطبيق للتعامل التنموي الإنساني الفعال. الطاقم الطبي الكوبي انتشر ميدانياً واستمر يعمل في أدغال غرب إفريقيا المصابة بالوباء، وصندوق أوفيد ساهم بما يستطيعه من إمكانيات لدعم الصمود الكوبي. لم يكن كل منهما يستهدف سوى النجاح في إنقاذ الفقراء المعزولين من براثن المرض المرعب، في الوقت الذي تهيبت فيه الطواقم الطبية الغربية والدولية وانسحبت إلى كبريات المدن، وتمنعت صناديق التنمية العالمية من تقديم المساعدات بدون شروط.
المحزن في هذه المعركة الملحمية المجهولة هو أن الإعلام العالمي لم ولا يتحدث إلا عن المساعدات الأمريكية والأوروبية، بينما يسود الصمت المطبق عن كوبا وصندوق أوبك للتنمية الدولية.
اعترف الرئيس أوباما في مناسبة الإذن بالعودة الحذرة للعلاقات الأمريكية المشروطة مع كوبا، بأن سياسة أمريكا طيلة نصف قرن مع كوبا لم تكن مثمرةً. صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) أدرك منذ زمن بعيد أن كوبا شريك يعتمد عليه ويستحق الثقة لإيصال التنمية والمساعدات الإنسانية إلى محتاجيها وتصرف بناء على ذلك.
أشعر بسعادة غامرة لأبارك للطاقم الطبي الكوبي مقدماً جائزة نوبل، ولأعبر عن استحقاق صندوق أوفيد المشاركة المعنوية بالجائزة. ختاماً أتمنى على القارئ العزيز الرجوع إلى المقابلة في إضاءات والمقال في الجزيرة المذكورة بالتواريخ في ثنايا المقال، للاطلاع على المبررات الموضوعية لكتابة هذا المقال.
المصدر: الجزيرة السعودية
http://www.al-jazirah.com/2015/20150218/lp5.htm