باحث إماراتي
كتب وزير الخارجية الإيراني السيد محمد جواد ظريف، مقالا جميلا حمل معه نقاطا جديرة بالتمعن، حمل عنوانه بدوره بُعدا وقيمة مضافة وقريبة للثقافة الإسلامية والشرقية، وهو «الجار قبل الدار».
والحقيقة أن هذا المقال قد سبقه مقال للسيد ظريف أيضًا في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «جيراننا أولويتنا» بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، أي بعد شهور قليلة على وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة الحكم، وتشكيله الوزاري الذي جعل من ظريف على رأس سلم الدبلوماسية الإيرانية. كما طالعنا وزير الخارجية الإيراني بمقالة بعنوان «رسالة من إيران» تناولها كاتب هذه السطور في مقالة في صحيفة «الشرق الأوسط» تحت عنوان «رسالة إلى السيد وزير الخارجية الإيراني» بتاريخ 28 أبريل (نيسان) 2015.
نسير مع القارئ هنا لنتناول أهم مشتركات هذين المقالين اللذين يقع فارق زمني بينهما يقارب العامين، ورسائل السيد محمد جواد ظريف لدول الخليج.
فأهلاً بالجار…
نلاحظ أن السيد وزير الخارجية قد أكد في مقاليه على أهمية دول الجوار بالنسبة إلى إيران، ويتجلى ذلك واضحًا من خلال عنوان المقالين، ففي الوقت الذي يرى ظريف أنه، وعلى الرغم من الترويج له بأن إيران تسلط الضوء على علاقاتها مع الغرب، فالحقيقة المغيبة هي أن الأولوية في سياسة إيران الخارجية هي المنطقة، يؤكد على ذلك في مقاله «الجار قبل الدار» بقوله إن أولى أولويات إيران منذ البداية هي أنها تنشد علاقات طيبة ووطيدة مع جيرانها.
كما يرى وزير الخارجية الإيراني أن بعض المناسبات يساعد استغلالها بطريقة إيجابية، ففي مقالته في 2013، وجد أن مجموعة 5+1 وإيران قد سعتا جاهدتين للاستفادة من الفرصة الفريدة التي أتاحتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة لإيجاد حل للمسألة النووية، بينما يأتي في المقال الأخير ليبرز أن جولته إلى ثلاث دول جارة قد جاءت مباشرةً بعد حصول الاتفاق والاستفادة من هذه الأجواء، باعتبار اتفاق جنيف بداية ضرورية للمنطقة، فإذا كان ظريف قد قال في مقالته الأولى إن «أصدقاءنا في دول الجوار أعربوا عن مخاوفهم من أن هذا الانفتاح سيأتي على حساب مصالحهم»، فإنه يؤكد في مقالته الحالية أن هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه «ليس فقط لا يشكل أي ضرر على جيراننا، بل إنه مكسب لمنطقتنا برمتها، لأنه وضع نهاية للتوتر».
يؤكد السيد ظريف في كلتا المقالتين على أهمية السلم والاستقرار في المنطقة، ويتمثل ذلك بقوله: «إن جميعنا لديه مصلحة في منع حالة التوتر في المنطقة والحد من التطرف والإرهاب وتعزيز التوافق بين المذاهب الإسلامية»، فما يجمعنا كما يرى السيد ظريف «يفوق بكثير ما يفرقنا». انطلاقًا من ذلك يؤكد على أنه إما أن نكون جميعنا خاسرين أو جميعنا رابحين، أو كما قال في مقالته الأخرى: «إما أن نربح معًا أو نخسر معًا». من هذا المنطق يرى ظريف أن تحقيق الأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين، فأي شعب لا يمكنه تحقيق مصالحة دون الأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين، وهذا ما تجلى في مقاله الأول بقوله: «أكبر وهم نقع فيه تخيل بعضنا أنه يمكن أن يحقق مصالحة دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح الآخرين».
وفي تصريح أخير له بعد الاتفاق، الذي قال فيه إن «الأوهام تدفع بعض دول المنطقة لإثارة العنف والتطرف»، نرى صداه في مقالة عام 2013، التي قال فيها: «من المؤسف انتشار منطقة اللعبة الصفرية في منطقتنا والعالم، حتى إن البعض اعتاد استغلال العدائية ضد إيران لتحقيق مصالحهم. إيران ليس لديها هذه الأوهام».
ينتقل السيد ظريف ليؤكد أنه وفقًا لتلك المعطيات يتوجب تحديد المجالات التي تتجلى فيها الأهداف والمصالح المشتركة، ليعود في مقالته «الجار قبل الدار» ليؤكد على إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة.
وقبل البدء في استعراض النماذج التي يمكن البناء عليها تأسياً على المنطلقات والمصالح المشتركة لدول المنطقة، يضع السيد ظريف يده على بعض الجوانب التي تدفع إلى استمرار هذا الوضع وتغذيته سلبًا. ظهر ذلك بوضوح في مقالته الأولى «جيراننا أولويتنا» إذ يقول: «حتى الآن استند نموذج الأمن والاستقرار الذي فُرض على منطقتنا إلى أساس المنافسة وتشكيل التحالفات… وعدم الاستقرار الدولي في منطقتنا ينبع من تنوع طبيعة المصالح للقوى الخارجية المختلفة وتنافسها»، ويمضي ظريف تأسيسًا على ذلك في مقالته ليستنتج أن «وجود القوات الأجنبية أدى عبر التاريخ إلى عدم الاستقرار الداخلي للبلدان المضيفة، وإلى تفاقم التوتر القائم بين هذه البلدان والدول الإقليمية الكبرى».
من هذا المنطلق يطالب ظريف ببناء إطار عمل شامل من الثقة والتعاون. فكيف يمكن أن يتحقق ذلك؟
يقول ظريف في مقالته في 2013: «إن نواة أي ترتيبات إقليمية شاملة يجب أن تقتصر على الدول الثماني الساحلية»، أي دول مجلس التعاون وإيران والعراق، فلماذا يقتصر هذا الأمر على هذه الدول دون غيرها؟ يُعلل ظريف ذلك بأن إضافة أي دولة أخرى «ستجلب معها قضايا معقدة أخرى تطغى على المشكلات الحالية لهذه المنطقة وستزيد تعقيد الطبيعة المركبة للأمن والتعاون في ما بيننا». يعود ظريف من جديد ليؤكد على ذلك في مقالته «الجار قبل الدار» بقوله: «إن تشكيل مجمع للحوار الإقليمي في منطقتنا ومن ثم بين الدول الإسلامية بالشرق الأوسط هو حاجة ماسة ينبغي المبادرة إليه قبل هذا بكثير».
إذن يتوجب أن يقتصر ذلك الأمر بادئ ذي بدء على الدول المطلقة على الخليج العربي. ومع وجود مثل هذا الأمر ينطلق السيد ظريف ليرى أن اليمن يعتبر منطلقًا مهمًا للبدء في مباحثات جدية، على أساس المقترح الإيراني الذي تقدمت به وفق الخطة الرباعية وليس وفق الإجماع الدولي المتمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2216.
ثم يختم السيد ظريف مقالته الأخيرة بالتأكيد على حق الدول الإسلامية في الاستفادة من التقنية النووية السلمية والاستفادة من إمكانات التخصيب على شكل مركز إقليمي لتوليد الوقود النووي.
أهلاً بالجار وأهلاً بمقترحاته. ولكن كيف المسار؟
هل بانسلاخ دول مجلس التعاون عن عمقها العربي؟ هل بتحييد الدول الإسلامية والدولية عن أي ترتيبات في المنطقة، وجميعنا يدرك أن هذه المنطقة أصبحت ذات طابع دولي أكثر من طابعها الإقليمي، نظرًا لأبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية التي تلامس العالم؟ هل يتحقق ذلك من خلال عدم الالتفاف للقرارات الدولية ودورها في توفير مظلة شرعية دولية والانتقال إلى الزاوية الإيرانية ومنظورها في حل هذه الأمور؟ هل بالتطرق إلى ترتيبات أمنية وتشكيل مجمع للحوار الإقليمي مبدؤه كما يقول ظريف احترام السيادة وعدم التدخل وفي الوقت نفسه تأتي تصريحات من المرشد الإيراني في الاستمرار بدعم حلفاء إيران في المنطقة؟
دول مجلس التعاون حريصة على الجار.. وتسعى إلى علاقات طبيعية تحمي بها الديار.. ولا تفرض شروطًا وإنما أمر قد قاله ظريف وهو رأس دبلوماسية الجار.. قالها وأشار.. بعدم التدخل في شؤون الجار.. فهل أنت قادر على ذلك أيها الجار.. أم للجار غير ظريف يمثل دبلوماسية الجار؟.. وبها يعود الجار للتدخل في شؤون الجار.. ويأتي خلاف القول المأثور «الجار قبل الدار».. وبذلك ننهي الحوار.
المصدر: الشرق الأوسط