كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
حضرت المناظرة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومنافسه مت رومني والتي جرت في مدينة بوكو روتان بولاية فلوريدا، مدينة رائعة بكل ما تعنيه الكلمة، بها كل ما تريد في أي مدينة؛ أمريكا بدون الزحام والصخب والجريمة، وفوق ذلك طقس معتدل معظم أيام السنة، إنها المدينة المنتجع للمتقاعدين، في الليلة قبل المناظرة دعاني صديق أمريكي، لمطعم فاخر هناك، حيث عرفني على والده الذي يبلغ 92 من عمره ويعيش متقاعداً هناك، سألته كيف الحياة هنا؟ رد مبتسماً وبصوت أجش «أهلاً بك في غرفة الانتظار».
استغفرت ربي فنحن المسلمون لا نحب هذا النوع من المزاح، بالرغم أن الجملة بدت ليلتها أخف وطئاً وهو ينطقها بالإنجليزية، أخذت أفكر فيما قال، معه حق فنحن جميعاً في غرفة انتظار نترقب الموعد الكبير، بعضنا فرصته أفضل ذلك أنه وصل قبلنا في «الدور» والد صديقي من هؤلاء، ويبدو أن اقتراب الموعد لم يعد يخيفه، فهو يعيش لحظة رحيل أحد جيرانه في بوكو روتان كل بضعة أسابيع «من الذي رحل اليوم؟» يقول إنه يسأل أصدقاءه عندما يجتمعون على العشاء بين آونة وأخرى .
كأن الأمريكي يعمل كل حياته لضمان ما تبقى له من أيام، بل إن مسألة التقاعد وحقوق المتقاعدين إحدى أهم القضايا السياسية في الانتخابات الأمريكية، بل هي كذلك في كل الدول الغربية ومعها اليابان وكوريا .
والد صديقي من ذلك الجيل الأمريكي الحظيظ الذين نشأوا وصنعوا ثرواتهم في زمن الحلم الأمريكي الذي بدأ في الخمسينات بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغ أوجّه في الستينات، وانتهى رسمياً عام 2007 بانهيار سوق المال بتراكم القروض خاصة العقارية على كاهل نظام بنكي مفرط، ذلك الجيل يتنعم الآن في شقق مريحة على شواطئ فلوريدا وكاليفورنيا، الأثرياء منهم حافظوا على شققهم بنيويورك، فلا يتركونها إلا في الشتاء مهاجرون نحو بيوتهم الشتوية في فلوريدا المعتدلة .
اليوم كثير من الأمريكيين يخشون أن لن يكونوا قادرين على ضمان حياة مريحة لهم عندما يتقدمون في السن، فشقق فلوريدا ليست مجرد شقق مريحة دافئة، وإنما مجهزة لكبار السن، توفر لهم رعاية صحية وترفيهاً .
سيقول أحدنا، الحمد لله، فنحن نرعى والدينا، فنجهز لهما أو لأحدهما إن رحل رفيقه قبله، غرفة أو ملحقاً بمنزل أحدنا حيث يجد الرعاية فنستأنس معهما ويحيط بهما الأحفاد، نعم إنه بديل جيد، عن حياة الوحدة وإن كانت في منتجع بوكو روتان، ولكني بدأت أعيد النظر في ذلك، ماذا لو وفرت لنفسي بيتاً صغيراً دافئاً أمضى فيه بقية أيامي عندما أتقدم في السن، أشجع بعض الأصدقاء أن يفعلوا مثلي، فأرتاح قليلاً من صخب الأبناء والأحفاد، وإن اشتقت إليهم سافرت لهم وأمضيت وقتاً معهم، أو رحبت بهم زواراً خفافاً لبعض الوقت ثم أعود لمصحفي وكتابي في غرفة الانتظار الكبيرة، هل سألنا كبار السن من حولنا ماذا يفضلون؟
المصدر: مجلة روتانا