كاتبة سعودية مقيمة في دبي
هذه العبارة ليست فحوى دعاء توجهت به إحدى نساء نجد، بل هي عبارة أطلقها إمام وخطيب مسجد سعودي في حسابه عبر “تويتر” مساء أمس الأول، مفسِّراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة”، وقد فسر الخطيب أن الفرقة الناجية المقصودة التي ستدخل الجنة هي “أهل نجد”، ولا ندري كيف ينزل القرآن في مكة والمدينة وتذهب الجنة إلى نجد؟! لهذا سألتني قريبتي التي أنجبت حديثاً من زوجها النجدي طفلاً، هل سيدخل طفلي الجنة بينما أنا سأدخل النار لأني من المنطقة الغربية؟ وسألتها لماذا يتزايد عدد موزعي صكوك الجنة في بلادنا كل يوم؟!.
أستشهد كثيراً بنكتة أبي راشد وأبي صالح النجدية أيضاً، فهي تقول كل ما يمكن أن يقال في هذا الشأن، فالنكت ليست سوى رسوم كاريكاتورية ترصد وقائع وأمراضاً ومبالغات معيشة تحدث كل يوم بيننا. النكتة تقول: إن أبا راشد وأبا صالح خرجا من المسجد بعد صلاة المغرب وأخذا يتجاذبان حديثاً بدآه بشكر الله على نعمة الإسلام التي أنعم الله بها على البلاد الإسلامية، لكن أبا راشد قال لأبي صالح: ليس كل بلد إسلامي بلداً إسلامياً، فالمسلمون في بلاد الروس وأوروبا وفي تركيا يشوب إسلامهم معتقدات شركية وليسوا كالمسلمين العرب. فقال له أبو راشد صدقت والله، لكنه عاد وقال: لكن المسلمين في البلاد العربية في مصر والشام قد ضعف إسلامهم وانتشر بينهم الفساد وسوء الخلق، وليسوا مثل المسلمين في السعودية، فوافق أبو صالح وزاد قائلاً: لكن يا أبا راشد، أهل الحجاز دخلت عليهم معتقدات وافدة فأفسدت عقائدهم، ولن تجد مثل نجد التي أعزها الله بالدين القويم. فوافق أبو راشد وزاد: لا لن تجد مثل مدينتنا التي تتبع الدين القويم. فقال له أبو صالح: إن مدينتنا شابها ضعف في الدين وبعدت عنه، وليس هناك مثل حارتنا تعبد الله على الوجه الحسن. فقال له أبو راشد: صدقت والله، لكنه عاد يقول: حتى أهل الحارة ستجد فيهم من ضعف دينه وفتنته الدنيا ومنهم من اتبع الشهوات، ولن تجد مثلي ومثلك يا أبا صالح. وافق أبو صالح منشرح الصدر بهذه النتيجة إلا أنه ما لبث أن رفع رأسه بعد دقيقة قائلاً: ولكني أراك يا أبا راشد بعض الأحيان تتأخر عن الصلاة ولا تخشع في سجودك.
إنها شرارة التكفير التي يظن الناس أنها زيادة في التقوى، بينما هي تزكية الذات البغيضة والتشكيك في الآخر والتعالي عليه. هذه الشرارة متى ما شبت في هشيم التفكير المستبد فإنها لن تتوقف حتى يحترق الجميع بمن فيهم أصحابها.
ورغم أن حديث النعرات والتمايز والحسد والكراهية هي أمراض نفسية واجتماعية فإنها أصبحت اليوم تتستر وتشتهر بيننا بأنها وصفات دينية، لأنها تتخذ من الدين شعاراً كي تطلق تمايزها ضد الناس والطوائف والمناطق، حتى ظن الناس أنها الدين نفسه. ربما نحتاج إلى تدخل سريع يفك بين الدين وبين محتكريه، قبل أن يتشابك أبو صالح وأبو راشد فلا يعود أبو صالح صالحاً ولا أبو راشد راشداً.
المصدر: الجريدة