لو نتأمل في قصة ليبيا على مدى الأربعين سنة الماضية لرأينا الخسارة في أجلّ صورها. أربعة عقود من عمر دولة نفطية مهمة ضاعت سدى. عشرات الآلاف من المؤهلين شُردوا من ليبيا. عشرات المليارات أهدرت على مغامرات سياسية حمقى لرجل يمارس الجنون أكثر من السياسة. ومن زار ليبيا يأسف لغياب شبه كامل لمقومات التنمية. بل إن مستوصفاً في قرية تونسية يفوق أكبر مستشفى في ليبيا في الإمكانات والخدمات. تلك قصة واحدة في العالم العربي. ماذا عن القصص الأخرى؟
هل يُعقل أن تكون التنمية في بلد فقير مثل الأردن أفضل كثيراً من بلدان نفطية مثل العراق وليبيا؟ كيف تهدر موارد الأوطان في حماقات سياسية أو بفعل الفساد المستشري وتعيين الفاشلين في مواقع قيادية تدمر ولا تبني؟
لا فرق بين «مسؤول» فاسد وآخر غير مؤهل! النتيجة غالباً واحدة: كلاهما يهدم ولا يبني! انظر في خارطة البؤس العربي وتأمل حال التنمية في عالمنا. والتنمية التي أعنيها هنا لا تقتصر فقط على بناء الطرقات والمطارات وتأهيل المستشفيات بالخبرات وتطوير الإمكانات، ولكنها تشمل أيضاً بناء المؤسسات الرقابية والقانونية، ما يسهم في بناء الدولة العصرية ذات الاقتصاد المتين والقوة العسكرية الضرورية.
مع الأسف الشديد، تنفق ميزانيات ضخمة في غير وجهها الصحيح، هذا فوق الأرقام الفلكية التي تختفي من الميزانيات أو لا تدخل أصلاً في بنود ميزانيات الدولة! حتى ميزانيات الجيوش الضخمة تتحول وبالاً على أهل البلاد لا دروعاً لحماية الأوطان. فمدرعات القذافي وطائرات الأسد لم تصوّب نيرانها إلا باتجاه أبناء الوطن. وحينما يسقط النظام تظهر من جديد الحقيقة المؤلمة: أوطان من ورق!
أيها المواطن العربي البائس: لملم جراحك.. وواصل طريقك. مشوارك طويل!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٦٣) صفحة (٢٤) بتاريخ (٢٣-٠٨-٢٠١٢)