كاتب سعودي
شهر رمضان، كغيره من المواسم والمناسبات، أصبح مجالا للتنافس في التصريحات بين كثير من الإدارات، فما إن تقترب بدايته حتى تنطلق إشارة السباق بين المسؤولين الذين تستهويهم المشاركة الدائمة في ماراثون التصريحات التي تتراوح بين التأكيد والجزم، أو الوعود القاطعة باستحداث خدمة جديدة أو تطوير خدمة قائمة، أو إنهاء مشكلة تتكرر أو التشديد على الالتزام بتعليمات قديمة لم يلتزم بها أحد، وعلى هذا المنوال، نشاهد تنافسا محموما تمتلئ به وسائل الإعلام يوحي للمجتمع بأن كل شيء سيكون على ما يرام، ليكتشف بعد الأيام الأولى من الشهر أن أوكازيون الكلام قد انتهى إلى أقل القليل مما قيل، أو إلى لا شيء.
ولو حاولنا الرجوع إلى أرشيف التصريحات مع اقتراب رمضان خلال الأعوام الماضية لوجدنا أن الواقع يستنسخ نفسه كل مرة من حيث زحمة التصريحات، وكذلك يكرر نفسه من حيث عدم إنجاز ما تضمنته، فلا مشكلة ولا حرج لدى من يريد التصريح طالما أنه لا حساب على الكلام ولا متابعة أو «جردة» في نهاية موسم التصريحات لبحث أسباب عدم تنفيذها ومساءلة الذين أطلقوها عن تلك الأسباب.
إننا، باستعراض سريع لعينة من تلك التصريحات على سبيل المثال وليس الحصر أو التخصيص أو التركيز المقصود على جهات بعينها دون أخرى، لوجدنا ــ مثلا ــ أن وزارة التجارة تعلو نبرة تصريحاتها قبل رمضان بأن أسعار المواد الغذائية تحت المراقبة المستمرة وأن الويل والثبور سيحل بمن يتلاعب بها، مع التأكيد بأن فرق المراقبة بالمرصاد في جميع المواقع، ولكن سعار الأسعار يبدأ قبل بداية الشهر ويستمر متصاعدا إلى نهايته بشكل علني دون أن نلاحظ أي تدخل عملي للسيطرة عليها ولو بنسبة بسيطة. إدارات المرور تؤكد مع اقتراب الشهر أنها وضعت خططا للتعامل مع الزحام وتكدس الشوارع والاختناقات المرورية في أوقات الذروة، ولكن مع كل يوم يمضي يصبح السير في الشوارع عذابا متزايدا لا يطاق. وزارة الشؤون الإسلامية منذ سنوات وهي تكرر تعليماتها بخصوص تجاوزات بعض الأئمة لأنظمتها وتوجيهاتها وتشدد على الالتزام بها، لكنها لا تجد آذانا صاغية ويستمر الحال على ما هو عليه. إدارات المياه والكهرباء، البلديات والأمانات المسؤولة عن النظافة والمتابعة لما يدخل في اختصاصها من خدمات، والكثير غيرها من الجهات التي تتطلب طبيعة عملها استعدادا خاصا في هذا الشهر، كلها تشترك في أوكازيون التصريحات الاستهلاكية التي تتلاشى سريعا كالفقاعات.
ارفقوا بنا يا هواة التصريحات، ودعونا نأمل بمواسم يكثر فيها العمل ويقل الكلام.
المصدر: عكاظ