تحسبا لاحتمالات تكرار تغلغل قوات روسية إلى داخل الأراضي الأوكرانية، أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، أمس، أن كييف ستقيم جدارا عازلا على غرار «خط مانيرغيم»، الذي كانت فنلندا أقامته على حدودها المتاخمة لروسيا في 1920 – 1930 في المساحة الواقعة بين بحيرة لادوغا في الأراضي الروسية والخليج الفنلندي. ويعود هذا الاسم إلى المارشال مانيرغيم أحد أبرز قيادات القوات المسلحة الفنلندية، الذي كان مسؤولا عن إقامة هذا الخط الدفاعي، على غرار خط ماغينو الفرنسي وخط زيغفريد الألماني إبان سنوات الحرب العالمية الثانية.
وقالت المصادر الأوكرانية إن «الجدار العازل» سيكون جملة من المنشآت والتحصينات الدفاعية المدعومة بسلسلة من الخنادق والأنفاق بطول الحدود المشتركة. ويقول خبراء أوكرانيون إن هذا الخط سيقام حسب القواعد المعمول بها في إسرائيل، ومن المنتظر أن يتكلف نحو 4 مليارات دولار، إلا أنهم أعربوا عن شكوكهم في إمكانية الانتهاء من بنائه خلال المدة التي حددها رئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك وهي ستة أشهر.
ويتوقف مراقبون عند تصعيد الجانب الأوكراني لحملة اتهاماته للجانب الروسي الذي يقولون إنه المسؤول عن تفاقم الأوضاع في جنوب شرقي أوكرانيا، في الوقت الذي تؤكد فيه موسكو الرسمية أن ما يجري في أوكرانيا أزمة داخلية لا دخل لروسيا بها. واتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض شركاء روسيا الغربيين بالمسؤولية عن اندلاع الأزمة في أوكرانيا. وأضاف في معرض تصريحاته خلال اجتماعه مع المسؤولين عن برنامج تسليح روسيا خلال الفترة 2016 – 2025، أن هناك من يحاول استخدام الأزمة الأوكرانية من أجل إحياء حلف الناتو، مشيرا إلى تصعيد التهديدات الجديدة، بما في ذلك دعم وتعزيز قوات الناتو في شرق أوروبا. ومع ذلك، استبعد بوتين انجرار روسيا إلى مرحلة جديدة لسباق التسلح، مشيرا إلى أن بلاده ستكتفي بمتابعة ما يجري حولها، على أن تتخذ ما يتسق مع مصالحها بمقدار ما يتطلب الموقف ذلك، بما في ذلك عدم مبادرتها بقطع علاقاتها مع أي من شركائها الغربيين. وكشف أن الولايات المتحدة وبعد خروجها من معاهدة الحد من الأنظمة الصاروخية تعمل من أجل نشر الدرع الصاروخية بما في ذلك في أوروبا وألاسكا، أي على مقربة مباشرة من الحدود الروسية. لكنه مع ذلك أكد أن بلاده قادرة على ضمان أمنها اعتمادا على قواها الذاتية.
من جانبه، قال رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء «إنترفاكس»، إن المجتمع الدولي مدعو إلى الالتزام بموقف متوازن بما يكفل تحقيق الاستقرار والسلام على الأرض الأوكرانية، وهو ما يخدم مصالح روسيا والمنطقة. وأضاف أنه من الضروري عدم الإغراق في تبادل الاتهامات حول مسؤولية تفاقم هذه الأزمة، فيما أكد أهمية الحوار المباشر بين الأطراف المعنية. وقال ميدفيديف في لقائه مع نشطاء «حزب الوحدة الروسية» إن روسيا لا يمكن أن تغض الطرف عن تدفق آلاف اللاجئين من أوكرانيا على الأراضي الروسية.
وكشف عما تقوم به بلاده من أجل إيواء هؤلاء المواطنين فضلا عن إعلانه عن الاستجابة لرغبة من يريد الإقامة الدائمة في روسيا والتمتع بالجنسية الروسية. وقال إن روسيا تأمل في استمرار الهدنة التي وصفها بـ«الهشة»، مؤكدا أن بلاده ستبذل قصارى جهدها من أجل عودة السلام إلى أوكرانيا رغم أنها لا علاقة لها بالنزاع القائم هناك. وكانت المصادر الرسمية الأوكرانية أعلنت عن مصرع ما يقرب من ألفين وسبعمائة من الأوكرانيين منذ اندلاع المواجهة العسكرية في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا.
وكشفت مصادر الكرملين، أمس، عن مكالمة هاتفية أجراها الرئيسان بوتين وبوروشينكو، تناولا خلالها تطورات الأوضاع الراهنة في أوكرانيا على ضوء تنفيذ الأطراف المعنية اتفاقات مينسك. وحول العقوبات الغربية ضد روسيا أشار يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس بوتين للشؤون الخارجية، إلى أن هذه العقوبات لا يمكن أن تؤثر على موقف موسكو المبدئي تجاه التسوية السلمية في أوكرانيا.
وفي موسكو، التقى سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي، مع نظيره الماليزي هشام الدين حسين، حيث ناقش معه المسائل المتعلقة بكارثة إسقاط طائرة الركاب الماليزية التي كانت في طريقها من أمستردام قاصدة كوالالمبور في يوليو (تموز) الماضي. وقال شويغو إن الكارثة وقعت في المجال الجوي لأوكرانيا التي أكد أنها تتحمل كل المسؤولية تجاه وقوع الكارثة التي راح ضحيتها 298 راكبا من مختلف الجنسيات. وكانت السلطات الأوكرانية ألقت باللائمة على المقاتلين الانفصاليين والسلطات الروسية التي قالت إنها أمدتهم بمنظومات صواريخ «بوك» التي يتوقعون أن تكون الطائرة سقطت بسبب إصابتها بصاروخ منها. وأعرب الوزير الروسي عن استعداد بلاده لتقديم كل ما في وسعها من أجل المساعدة في سرعة تقصي أسباب الحادث ومعرفة المسؤول عن إسقاط الطائرة الماليزية.
وفي لوغانسك، أعلن إيغور بلوتنيتسكي، رئيس «جمهورية لوغانسك الشعبية»، أنه من المحتمل أن تجري مناقشة المسائل المتعلقة باستقلال ووضعية «جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك» في الاجتماع المرتقب الذي سيعقد في كييف. وقال إن هذه المسألة لم تناقش على حدة خلال مباحثات مينسك الأسبوع الماضي، لكن من الممكن أن تكون موضوعا للنقاش خلال اللقاءات المقبلة. وأضاف أن الهدنة ووقف إطلاق النار لا يمكن أن يكونا مبررا لغض الطرف عن إرادة الشعب التي أعلنها في الاستفتاء حول هذه القضية، وهو ما ترفض المصادر الأوكرانية الرسمية التعليق عليه.
ومن جانبه أعلن فاليري غيليتيي، وزير الدفاع الأوكراني، أن العسكريين في أوكرانيا سيستغلون فترة الهدنة التي وصفها بـ«السياسية» من أجل تدعيم مواقعهم. وأضاف أنه بالنسبة له كوزير للدفاع وكعسكري فإنه ملتزم بالقول المأثور «إذا أردت السلام، فيجب أن تستعد للحرب». وكشف الوزير الأوكراني عن أن القوات المسلحة الأوكرانية وقوات حرس الحدود تواصل إعادة تنظيم صفوفها واستعداداتها، وإن أشار إلى أن ذلك ليس من أجل الهجوم والعدوان، بل من أجل تامين الدفاع عن الأراضي الأوكرانية. واعترف بوقوع انتهاكات لوقف إطلاق النار من الجانبين، مشيرا إلى صعوبة الوقف التام لإطلاق النار، معربا عن ارتياحه لتقلص مثل هذه الاشتباكات من 58 اشتباكا يوميا، حتى 14 فقط. أما عن تبادل الأسرى والمحتجزين، فلم ينته الجانبان بعد من تنفيذ هذا البند من اتفاقات مينسك. وقالت المصادر الأوكرانية إن الطرفين سيستأنفان هذه العملية اليوم الخميس.
المصدر: موسكو: سامي عمارة – الشرق الأوسط