عرض أولياء أمور طلبة في مراحل دراسية مختلفة حالات تعرض فيها أبناؤهم لعنف لفظي من معلمين لهم، يتمثل في التوبيخ والاستهزاء والسخرية، ما سبب لهم إحراجاً أمام زملائهم، وعرضهم لحالات نفسية سيئة، أفقدت بعضهم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، وتسببت في تدني المستويات الدراسية لآخرين، فضلاً عن حالات تبول لا إرادي، ما جعل التعليم «تجربة سيئة».
وقال بعضهم إن منع الضرب في المدارس تسبب في زيادة نسبة ما سموه «السمية» في عبارات التوبيخ والتقريع التي يوجهها مدرسون إلى تلاميذ.
وطالبوا الجهات المعنية بمعالجة هذا السلوك، عبر تطبيق قوانين رادعة، تلزم المعلمين الذين يسببون الإيذاء العاطفي للطلبة بتغيير أسلوبهم.
في المقابل، أكد مرشدون أكاديميون ضرورة إخضاع المعلمين لدورات تهتم بأسلوب التعامل مع المراحل العمرية المختلفة، ومعرفة سمات ومتطلبات كل مرحلة، كون العنف يخلق شخصية مضطربة، تجيد إتقان الكذب، وتلجأ إلى الحيل اللاشعورية، كالتمارض للرغبة في عدم الذهاب للمدرسة، لارتباطها بتجربة غير سارة.
وقال إداريو مدارس إنه في حال ورود شكوى من أحد أولياء أمور الطلبة بهذا الخصوص، فإنه يتم توجيه إنذار للمعلم المعني، وفي حال تكرار المعلم سلوكه فإن إدارة المدرسة ترفع الأمر إلى إدارة الشؤون القانونية في وزارة التربية والتعليم، التي بدورها توجه تنبيهاً وتعهداً للمعلم.
قالت المواطنة (أم علي) إن لديها أربعة أبناء في مدرسة خاصة بإمارة الشارقة، وإن طفلتها البالغة 10 أعوام (طالبة في الصف الرابع الابتدائي) تعرضت لعنف لفظي من معلمة، التي طلبت منها الجلوس على الكرسي الملاصق للجدار، موجهة لها تعنيفاً بلهجة حادة، مفاده أنها في حال قامت بسلوك غير مرغوب أو بتصرف مشاغب فإنها ستمسك برأسها وتضرب به الجدار القريب منها، ما أشعر الطفلة بالإحراج أمام زميلاتها، ورجعت يومها إلى المنزل وهي تبكي، وتؤكد عدم رغبتها في التوجه إلى المدرسة مرة أخرى، على الرغم من تفوقها الدراسي.
وتابعت: «وقفت عاجزة أمام حالة طفلتي النفسية السيئة، كوني غير قادرة على نقلها إلى مدرسة أخرى إلا مع بداية العام الدراسي، نظراً لاختلاف المناهج الدراسية التي تدرّس في المدارس الخاصة، وفضّلت استمرارها في المدرسة نفسها إلى حين انتهاء العام الدراسي»، مضيفة «على الرغم من أنني توجهت إلى إدارة المدرسة وقدمت شكوى رسمية بحق المعلمة، لكن الإدارة اتخذت موقفاً سلبياً، فلايزال عنفها اللفظي على ابنتي مستمراً، ما سبب لها رغبة في الانعزال والانطوائية، وعدم مخالطة الأطفال الآخرين، كما أصبحت أقل حركة ونشاطاً من السابق، وأحياناً تدعي المرض حتى أسمح لها بالتغيب عن المدرسة».
وطالبت المواطنة غاية عبدالخالق وزارة التربية والتعليم بتخصيص «لجنة في كل مدرسة للرقابة على الطريقة التي يتعامل بها المعلمون مع الطلبة، واتخاذ إجراءات عقابية بحق أي معلم أو معلمة يثبت عليه القيام بهذا السلوك غير الحضاري»، مشيرة إلى أن «العنف يتخذ أشكالاً عدة، كالاستهزاء، والسخرية، والتهديد بممارسة العنف الجسدي، أو قذف الطلبة بعبارات لفظية جارحة»، مبينة أن «تكرار العنف اللفظي يؤثر في نمو الطفل اجتماعياً ونفسياً، وكذلك يتسبب في تدني مستوى تقدير الذات، وانعدام الثقة بالنفس».
وأشارت إلى أن ابنها كثير الحركة في الفصل، ما يجعل المعلم يضيق ذرعاً بسلوكه غير المرغوب، ولا يتمالك غضبه، إذ يكرر على مسامعه بصوت عالٍ عبارة «أنت ولد غبي»، الأمر الذي رسّخ هذا المفهوم لدى زملائه في الفصل، وأصبحوا ينادونه بـ«الأهبل»، وهو ما جعل ثقته بنفسه تقل بشكل ملحوظ، إذ أصبح كثير الحساسية تجاه أي نقد يتعرض له، ويعتبره إهانة نفسية وتقليلاً من شأنه.
وقال المواطن خالد بدر الكعبي، وهو ولي أمر لتلميذ في الصف الأول الابتدائي، إن «العنف اللفظي لا يقتصر على تلفظ المعلم بمصطلحات غير مقبولة، وإنما يكون أحياناً بتوبيخ الطالب بصوت عالٍ، يجعله يشعر بالخوف من المعلم، ويعتبره أحد مصادر القسوة في محيطه التعليمي. وهذا ما حدث لابني البالغ من العمر ستة أعوام، وهو يدرس في الصف الأول الابتدائي في إحدى المدارس الحكومية، إذ تعرض للتخويف من معلم الفصل، بعدما هدده بأنه سيعلّقه في مروحة غرفة الفصل في حال طلب الذهاب إلى دورة المياه أكثر من مرة خلال ساعات اليوم الدراسي، وطلب منه بصوت عالٍ عدم تكرار هذا الطلب، ما جعل ابني يصاب بالتبول اللا إرادي في فراشه أثناء نومه. وحين استفسرت منه عن سبب عدم التوجه إلى دورة المياه، علمت منه أنه أصبح يصدق أن التوجه إلى دورة المياه سلوك مخجل، وغير سليم، ترسخ في عقله الصغير نتيجة ردود فعل المعلم العنيفة تجاه هذا الأمر».
ورأى أن «السبب في زيادة نسبة السمية في تعليقات بعض المعلمين عائد إلى قرار منع الضرب في المدارس، فهم يرغبون في توجيه أكبر درجة ممكنة من الأذى للطالب الذي لا يرضون عنه من دون أن يخرقوا القانون، لكن الحقيقة أن الأذى اللفظي قد يكون أكثر إيلاماً من الضرب».
من جانبه، أكد المرشد المهني الأكاديمي في مدرسة عمر بن الخطاب النموذجية في دبي، ومستشار جوائز التميز التربوي في منطقة دبي التعليمية، معتز غباشي، أنه في حال اشتكى ولي أمر أحد الطلبة من تعرض ابنه للعنف اللفظي، فإن إدارة المدرسة توجه إنذاراً كتابياً للمعلم، وفي حال تكراره للأمر ترفع الإدارة هذه الشكوى للشؤون القانونية في وزارة التربية والتعليم لاتخاذ الإجراء الذي تراه مناسباً.
وقال إن العنف نقيض للتربية، فهو يهدر الكرامة الإنسانية، كونه يقوم على تهميش الآخر وتصغيره والحط من قيمته الإنسانية، التي كرمها الله، فضلاً عن أنه يولد إحساسا بعدم الثقة، وتدني مستوى الذات، وتكوين مفهوم سلبي تجاه الذات والآخرين. والعنف الذي يمارس تجاه الطالب لا يتماشى مع أبسط حقوقه، وهو حرية التعبير عن الذات، لأن العنف تحت شعار «التربية» يقمع هذا الحق، وهذا مخالف تماماً لمبادئ ومواد قانون حماية الطفل، الذي يناشد المجتمع تطبيقه في الآونة الأخيرة، لضمان تربية سليمة خالية من السلبية والهمجية في التعامل مع أطفالنا.
وتابع: «نجد عند بعض المعلمين أساليب قهرية لا تتوازى مع ما اقترفه الأبناء الطلاب، مثل العقاب الجماعي، والاستهزاء أو السخرية من طالب أو مجموعة من الطلبة، علاوة على الاضطهاد والتفرقة في المعاملة، وعدم السماح بمخالفته الرأي، وإن كان الطلب على صواب، إضافة إلى التهميش والتجهم والنظرة القاسية، وكذلك التهديد المادي أو التهديد بالرسوب، ما يشعر الطالب بالفشل الدائم، نتيجة تراكم الآثار المترتبة على العنف اللفظي».
وأوضح أن: «العنف اللفظي أو البدني يخلق أيضاً شخصية مضطربة، تتولد فيها مظاهر سلبية، قد تكون بمثابة أسلوب حياة، مثل إتقان الكذب للهروب من العقاب، والعصبية والتوتر الزائد الناتج عن عدم الإحساس بالأمان النفسي، وأيضاً تشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز، واللجوء إلى الحيل اللا شعورية، مثل التمارض والصداع والمغص، لرغبته في عدم الذهاب إلى المدرسة، لارتباطها بخبرات غير سارة، إضافة إلى تكوين مفهوم سلبي تجاه الذات وتجاه الآخرين».
وزاد: «قد يمتد الأثر إلى العديد من المشكلات، مثل التبول اللا إرادي، والانطواء، وتولد مشاعر اكتئابية، والتلعثم في النطق، واللجلجة، كما يؤدي أيضاً إلى مشكلات دراسية، كتدني المستوى الدراسي، والهروب من المدرسة، والتسرب من الحصص، والقضاء على الإبداع داخل الطفل».
وأكد غباشي: «للقضاء أو التقليل من هذه الظاهرة، يجب إخضاع المعلمين لدورات تهتم بأسلوب التعامل مع المراحل العمرية المختلفة، ومعرفة سمات ومتطلبات كل مرحلة، وكيفية التنسيق والتواصل مع أولياء الأمور لحل المشكلات التي يعانيها الطالب، سواء بالمدرسة أو المنزل، ولا ننسى توجيه أولياء الأمور لأساليب التربية الحديثة، لأن دورهم مكمل أساسي للمدرسة في تربية الأبناء».
في المقابل، أشارت إدارية في إحدى مدارس البنات الثانوية بالشارقة – فضّلت عدم نشر اسمها- إلى «اللجنة التربوية»، قائلة إن وزارة التربية والتعليم أقرتها في كل مدرسة، وتناط بها مناقشة مشكلات الطلبة التي يواجهونها من خلال عقد اجتماعات طارئة، بدعوة من رئيس اللجنة، للبت في المخالفات المحالة من رئيسها، موضحة أن المادة (11) من مواد اللجنة التربوية تنص على أنه «يجوز إيقاف المعلم المحال للاستجواب بشأن سلوكه غير المرغوب فيه عن الدراسة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، بتوصية من اللجنة التربوية، وموافقة مدير النطاق».
وأكدت: «من المحاذير التي يجب مراعاتها عند تقويم السلوك السلبي للطلبة عدم استفزاز الطالب أو السخرية والاستهزاء به».
وأوضحت: «من أهم أهداف اللجنة مراعاة العدل والمساواة في المعاملة بين جميع طلبة المدرسة، وتهيئة مناخ يوفر الفرص لتحقيق التفاعل الاجتماعي والانضباط السلوكي السليم بين المعلمين والمتعلمين، إلى جانب التأكيد المستمر على شعار القدوة الحسنة بين الطلبة والمعلمين»، مؤكدة أن «هذه الأهداف لن تتحقق وتؤتي ثمارها إلا بوجود قدوة حسنة، تتمثل في معلم منصف، يستحضر الضمير والرقابة الذاتية عند معاملة الطلبة»، مشيرة إلى أهمية الأسلوب الحضاري في التعامل مع الطلبة، بعيداً عن الألفاظ التي تخدش كرامتهم، كونهم على وعي وثقافة عالية تتيح لهم معرفة أهمية تقدير الذات من خلال تجنب السلوكيات التي قد ينتج عنها وقوع إيذاء عاطفي عليهم من قبل المعلمين.
وأكدت: «عند تطبيق السلوك السلبي للطلبة يراعى التعامل مع المتعلم على أساس احترام شخصيته ومشاعره، وتقديم أساليب التعزيز على وسائل التقويم، وكذلك عدم اللجوء إلى القسوة أو الإيذاء النفسي».
المصدر: الإمارات اليوم