كاتب سعودي
من يتابع مجريات العلاقة الأميركية – الروسية في السنوات القليلة الماضية، سيلحظ أن مواقف البلدين من أية قضية دولية لا تخضع لحسابات القضية نفسها، إنما هي رهن بطبيعة العلاقة بين واشنطن وموسكو وتحولاتها المختلفة.
في كل شبر من الكرة الأرضية هناك دائماً وجهتا نظر مختلفتان، وهناك موقفان رئيسيان متضادان، وهناك محاولتا استقطاب على طرفي نقيض. في كل شبر من الأرض هناك دائماً أميركا وروسيا.
من أميركا الجنوبية، مروراً بأفريقيا وحتى أقصى الشرق الآسيوي، يوجد بلدان يضعان العصي في العجلات بالتناوب في كل الاشتباكات السياسية، وهو ما خلق مناطق، ذات مشكلات مزمنة وعصية على الحل، في أماكن كثيرة من العالم، تذكرنا في شكل الخريطة العالمية وطبيعة العلاقات الدولية في حقبة الحرب الباردة.
الدب الروسي جاء إلى منطقة الشرق الأوسط مدفوعاً برغبة جامحة في تكريس مفهوم العالم الثنائي القطب، والحفاظ على توازن الوجود في مقابل الحمار الديموقراطي الأميركي، الذي يرد بالشكل والقوة عينهما، لإبقاء الأوضاع كما هي.
أما أميركا فأنهكها التعامل مع أزمات العالم وحدها، وخسرت خلال السنوات التي تلت انتهاء الحرب الباردة الكثير من رصيدها على المستويين الداخلي والدولي، بسبب وجودها منفردة في أماكن الصراعات في العالم، فقررت أن تسمح للروس بالعودة من جديد، ولكن بمقدار محسوب بدقة، إلى ساحة المنافسة، لتتخلص من تبعات كونها القطب الأوحد في العالم، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات أخلاقية، قد يساهم الالتزام المطلق بها في تآكل الإمبراطورية الأميركية.
أما سكان هذا الجزء من العالم، فكل ما عليهم فعله إزاء الاشتباك الروسي – الأميركي في هوامش الأزمة وليس في صلبها، مداورة النظر يسرة في وجه الروسي ويمنة في وجه الأميركي لعلهم يظفرون بتصريح من هذا أو تلميح من ذاك يهدئ الروع ويرسم طريقاً جديداً للأمل!
في سورية تدخلت «روسيا بوتين» منذ البداية معادلة للوجود الأميركي في الأزمة، فكان ذلك للأميركيين الديموقراطيين بمنزلة الهدية الإلهية التي جنبتهم أخطار فرض الحل بالقوة، وسمحت لهم باللعب على الحلول الموقتة التي لا فائدة منها سوى إضفاء الشرعية الكاملة على رواتب وزير الخارجية جون كيري ومستحقاته المالية بسبب رحلاته المكوكية المتعبة!
وفي الأزمة النووية الإيرانية، وضع الروسي ثقله في كفة المفاوض الإيراني، ووجدت أميركا مرة أخرى نفسها خارج دائرة الالتزامات الأخلاقية الدولية لوجود طرف معادل، شرير في معظم الأحيان من وجهة النظر الشعبية الأميركية، قد يسيء استخدام (قطبه) ويدخل العالم في أتون حرب عالمية ثالثة.
وفي اليمن أيضاً، جاءت روسيا خلف حليفها الإيراني لتصبغ مشهد جنوب الجزيرة العربية بلون النظام العالمي الجديد القائم على الثنائية القطبية، ولتبقي الأزمة بلا حل في المستقبل المنظور بسبب تعادل الضغط الدولي وتعاكسه.
تبحث كل دولة من «الثنائية»عن مصالحهما الخاصة في المنطقة، وتعملان معاً من خلال وجودهما المتعاكس على تحقيق معنى الوجود الأممي، روسيا كقطب عالمي جديد، وأميركا كقطب في حاجة إلى من ينقذه من التزاماته المتراكمة ومسؤولياته المتزايدة.
كل ينظر إلى مصالحة، هذا أمر مفهوم، لكن المشكلة الكبرى بالنسبة إلى الدول المعتدلة في المنطقة تتمثل في أن حلفاء روسيا المحليين هم من يكسب حتى الآن. إيران تتمدد في كل اتجاه تحت غطاء القوة الروسية في مجلس الأمن، وبشار الأسد ما زال يحصد أرواح أبناء سورية بدعم مباشر وعلني من الكرملين، والحوثيون يتصرفون بالدولة اليمنية كأنهم أصحاب حق بحماية الفيتو الروسي، بينما الدول التي تعد حليفة للولايات المتحدة في المنطقة هي التي تتجرع الخسارات تلو الخسارات.
على أميركا أن تعرف أن لكل حلف ثمنه، وتفعل وتتفاعل بناء على ذلك. عليها أن تعرف أن الوقوف بحيادية كل الوقت، والتفاوض مع قوى المنطقة من وراء ظهر الحلفاء بعض الوقت، سيضر بالحلف التاريخي القائم منذ أربعينات القرن الماضي، وسيجعل الحلفاء في المنطقة يبدأون في اختبار ملمس المصافحة مع أيدي القوى العالمية الأخرى.
وفي المقابل، على الحلفاء في المنطقة أن يصارحوا الأميركينن بأن من متطلبات وشروط الحلف المتجددة حمل قضاياهم وتبنيها والمساعدة في حلها في شكل يرضي هؤلاء الحلفاء. لا بد من الضغط في هذا الاتجاه وبقوة، من خلال رسم استراتيجية حوار مع الولايات المتحدة تتعلق فقط بمتطلبات الحلف واستحقاقاته على الطرفين. لا يكفي بين الحين والآخر أن يعبر الخليجيون عن خيبة أملهم بالشريك الأميركي في مقابل تزايد مكاسب حلفاء روسيا في المنطقة، بل عليهم أن يحولوا رد الفعل السلبي الذي ارتفعت نغمته هذه الأيام إلى فعل إيجابي يخترق النخب الأميركية كافة.
السعودية اليوم ودول الخليج تشعر بالخطر الثلاثي (العراقي – الإيراني – اليمني) الذي لا تدري متى يتفجر، وتشعر أيضاً بأن الحليف الاستراتيجي صار يستعمل موقفه في قضايا المنطقة في مقايضة مواقف أخرى في مناطق أخرى لا علاقة للدول الخليجية بها، ومن ثم جاء وقت مراجعة كاملة ومعمّقة للمستقبل الخليجي الأميركي.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdullah-nasser-Al-Othiabi/7602235