كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
عدت اليوم من جنوب أفريقيا، ولعلي سأشعر بالندم غداً عندما تحين الرابعة والنصف عصراً هنا في البحرين، ولما يحِنْ وقت الإفطار الذي سيكون بعد ساعتين من ذلك الوقت، ودرجة الحرارة من حولي تقترب من الأربعين.
ولكني أرشح دربان وبقية مدن جنوب أفريقيا الكبرى للجمع فيها ما بين رمضان والإجازة الصيفية، وهذا للسعودي الذي يحتمل الابتعاد عن مكة والمدينة في رمضان، وهؤلاء قلة باستثناء المبتعثين والدبلوماسيين، الذين تحكمهم ظروف الدراسة أوالعمل بالبقاء خارج الوطن، معظم أصدقائي الذين كانوا خارج السعودية قبيل شهر رمضان سارعوا بالعودة للوطن، فلا مكان يعدل الصيام في مكة والمدينة أو قريباً منهما، شخصياً أنوي قضاء العشر الأواخر في المدينة المنورة في رحاب الحرم النبوي، وإخواني وأخواتي، وحيث مرتع الصبا وذكريات الأحبة، ولا أحبة أذكرهم في رمضان قدر والدي ووالدتي رحمهما الله.
أما جنوب أفريقيا فهي، إضافة إلى طقسها الشتوي الرائع والمعتدل ونهارها القصير، فيها نحو 4 ملايين مسلم يشكلون بعضاً من نسيجها الأصلي المشكّل من الأفارقة والبيض، فمساجدهم في كل مكان، وأطعمتهم وأكلهم الحلال، وإذاعات إسلامية تبث القرآن الكريم والأدعية بأصوات محلية، وأكثر من ذلك أن أهلها يحبون المسلمين العرب، يكفي أن تقول إنك من المدينة المنورة أو مكة المكرمة، وسوف تجد احتفاء منهم غير مسبوق.
المسلمون هناك جاء بهم المستعمر الأبيض قبل 400 سنة من شرق آسيا، للعمل سخرة في المناجم ومزارع القصب الهائلة، غير أنهم بمرور الأيام استقروا واهتموا بالتعليم فأصبحوا جالية ثرية ومقتدرة، ولكنهم حافظوا على علاقات جيدة مع سكان البلاد الأصليين، وناضلوا معهم ضد نظام التفرقة العنصرية، ودفعوا كلفة ذلك في المعتقلات.
هذا من حديث زمن صعب قد ذهب، أما اليوم فهم شركاء في الوطن ويرحبون بكم في رمضان القادم.
المصدر: مجلة روتانا