باحث سعودي
لن ينهزم السعوديون أمام الإرهاب، ولن يفرّطوا في وحدة وطنهم وسلامه الاجتماعي، مهما حاول «داعش» أو غيره. هذا أمر لا نقاش فيه ولا تبرير ولا أدلة. هو هكذا؛ لأن السعوديين يريدونه هكذا. لن نسأل أحدًا إن كان هذا الإيمان صالحًا أو غير صالح، ولن نسأل أحدًا إن كان يصلحنا أم يضرنا. لقد سألنا قلوبنا تكرارًا فوجدناها على الدوام معًا في نفس الدائرة. تتمايز ألوانها وتختلف وجوهها، لكنها تبقى في الجوهر واحدة.
لكن الناس يتساءلون، وهم على حق: ماذا دهانا؟ وكيف صرنا نتلقى الصدمة تلو الصدمة، فنكتفي ببليغ القول ونرفع أصواتنا بالدعوة لاستدراك الأخطاء، ثم تمر أيام فننشغل بغير تلك الصدمة، وننسى الثغرات التي دخل منها غربان الشر، ثم لا ننتبه إلا بعد الصدمة التالية، فنعيد الكرّة، وهكذا.
هل تحولنا من التفكير الجاد في فهم وتفسير مشكلاتنا إلى التسلي بالكلام المكرر حول تلك المشكلات؟ أم عجزنا عن إصلاح أمورنا، فعوضنا عن هذا العجز بالبحث عن مشاجب نعلّق عليها فشلنا أو قلة رغبتنا في الإصلاح؟
في مثل هذه الأيام قبل أربعة أعوام كنا نناقش تصورات متقدمة حول المجتمع المدني والإصلاح السياسي والحريات العامة وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وصيانة المال العام وإصلاح التعليم وتطوير القضاء ومكافحة البطالة وتغيير المسار الاقتصادي، وأمثال هذه القضايا الكبرى.
أما اليوم فصحافتنا مشغولة بالتنديد بالقتلة، ومجالسنا مشغولة بالجدل حول ما يجري في الأقطار التي حولنا. ويتبادل بعضنا رسائل التحذير من الفتنة.. إلخ. بعبارة أخرى، فقد نسينا تمامًا التفكير في القضايا التي كنا نراها – قبل أربع سنين – رهانات تقدم في مجال الاقتصاد والمجتمع والتربية والإدارة.
من المعلوم أن المنشغل بالقلق على وجوده لا يفكّر إلا نادرًا في قضايا التطوير والتقدم. لكن أليس من المحتمل أن تناسينا لتلك القضايا، أيًا كان سبب هذا التناسي، هو الذي أدى إلى انشغالنا بالقلق على وجودنا ووحدتنا وسلامة مجتمعنا؟
ليلة البارحة سألني صديقي: أليس من الممكن أن يكون سبب التراجع هو توقفنا في منتصف الطريق يومذاك؟ فحوى هذا السؤال أن المجتمعات المنشغلة بالتقدم تعالج مشكلاتها الكبرى، فتنحل مشكلاتها الصغيرة من دون عناء. أما حين تتخلّى عن قضايا التقدم، فسوف تنشغل بالمشكلات الصغيرة، ومع مرور الوقت سوف تتضخم انعكاسات المشكلات الكبرى، وينتقل تأثيرها من موضوعاتها الخاصة إلى الوجود الاجتماعي والوطني بمجمله.
قضايا مثل الحوار الوطني والتعصب والتشدد الديني وتطوير التعليم، كان ينظر إليها كعناوين لتحولات ضرورية في جوانب محددة من حياة المجتمع السعودي. لكننا لم نتقدم فيها إلا قليلاً. فها نحن اليوم نتحدث عن العلاقة المباشرة بين كل من هذه العناوين وبين الثغرات الأمنية التي أدت إلى مقتل عشرات من مواطنينا، مدنيين وعسكريين، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
تلك القضايا كانت تعبيرًا عن فهم محدد للمشكلات التي يواجهها بلدنا، وقد ترتب عليه يومئذ ما يشبه الإجماع الوطني على طرق العلاج. لكن تناسينا لتلك القضايا وانشغالنا بما حولنا، أدى واقعيًا إلى إهمالها أو إبطائها. هذا أدى بطبيعة الحال إلى انبعاث جديد للمشكلات التي كنا نريد علاجها يومذاك، انبعاث في ثوب مختلف وبواجهات أكثر قسوة وأشد إيلامًا، لأنها واقعة فعليًا وليست مجرد استشراف للمستقبل كما كان الأمر قبل أربع سنين.
الهجمات التي شنّها «داعش» استثمرت ظرفًا فوضويًا، هو من نتائج الانهيارات السياسية في المحيط الإقليمي. وأظن أن رد الفعل الاستراتيجي والصحيح على هذه الثغرة ليس أمنيًا فقط، بل بالعودة إلى إحياء قضايا الإصلاح الوطني، وإعادة الزخم السياسي والجماهيري لمشروع الإصلاح الذي شكّل في وقت من الأوقات موضوعًا للإجماع الوطني ورمزًا لإرادة الحياة والتقدم في بلدنا.
المصدر: الشرق الأوسط