كاتب لبناني
كلما بدا أن القضية الفلسطينية قد خبت حول العالم، يأتي من يعيدها إلى الأذهان والضمائر. الشهيد كمال ناصر كان يقول في سخريته المعروفة: سوف تبقى القضية حية. اتكلوا على القومية الإسرائيلية.
«التفوق» الإسرائيلي قادر على الغباء هو أيضاً. الشديد منه كذلك. ألهبت حكومة نتنياهو مشاعر المسلمين حول العالم وهم يستكملون رمضان ويدخلون العيد. ومِن أين؟ من القدس والمسجد الأقصى. وبذلك لم تتحد كالمعتاد الكرامة الفلسطينية، بل كرامة الفلسطينيين الأوائل الذين يُسمون بكل جلافة «عرب إسرائيل». وهكذا وقفت إسرائيل على حافة «حرب أهلية» في مدنها الرئيسية.
بعد غياب طويل عادت المظاهرات المؤيدة للقضية إلى مدن أوروبا وأميركا. تذكر الضمير العالمي أن في الشرق الأوسط شعباً خُطفت أرضه وتُرك بلا دولة. وتذكر أن الاستيطان والترحيل وتدمير المنازل سياسة قائمة. ورأى العالم أن الأنظمة العربية ليست وحدها من يرمد بيوت الناس ويقصف السكان من الجو بأعداد مذهلة من الطائرات.
قلب نتنياهو وحكومته «الطاولة» على الإسرائيليين أولاً. أوقف مسار «التطبيع» الذي بدا متسارعاً في الآونة الأخيرة، وبدد آمال المتفائلين بالسلام. وللمرة الأولى يتنبه العالم الخارجي إلى مسألة كان يحاول تجاهلها، هي الوجود العربي الكبير داخل فلسطين الأولى. فهؤلاء ليسوا مجرد نواب في الكنيست، بل هم أيضاً بشر وأرواح ومشاعر وكرامات ومقدسات ومحرمات.
كان الثمن هائلاً ومريعاً في غزة كالمعتاد. وكان الرعب متعمداً في وضوح. لكن المذهل كان الغزاويين والغزاويات الذين يتحدثون عن أحوالهم تحت القصف بحناجر ثابتة. سمعت أماً شابة تتحدث إلى الـ«بي بي سي» بطلاقة وشجاعة ولغة عربية فصحى، عن كيف تضع طفلتيها في سريرين متجاورين، بحيث لا يبقى أحد من العائلة حياً إذا طاولها القصف، لكي لا يحزن واحد على الآخر.
طبعاً، المشهد يائس في نقاط أخرى: غزة تفتح الباب لحرب كبرى، والضفة مكبلة بالاتفاقات والحسابات الدولية، والعالم العربي غير قادر على أن يقدم إلا ما يملك. وما يملكه مخزون لا ينفد من استنكار العدوان، وتحية الصمود الفلسطيني.
كتب عرب «الشيخ جراح» (على اسم الأمير حسام الدين الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي) رسالة مهمة إلى جميع العالم: هذه قضية لا تُنسى. قضية أبارتايد وتهجير واستيطان. وقضية القدس. كل حل آخر ليس حلاً.
المصدر: الشرق الأوسط