أصبحت إسبانيا في حالة أشبه بالحداد، غداة الهزيمة الساحقة لمنتخبها الوطني أمام هولندا، في أولى مبارياته بكأس العالم لكرة القدم، فتصدرت كلمات من قبيل «إذلال» و«كابوس» و«المذلة الكبرى» و«المذلة العالمية» الصفحات الأولى للصحف المحلية، أمس. وتعرضت إسبانيا، وهي واحدة من الفرق المرشحة لنيل لقب كأس العالم في البرازيل، بعدما تُوجت بطلة في 2010، لهزيمة ساحقة أمام هولندا 5 – 1، وهي أثقل هزيمة للفريق في كأس العالم منذ 60 عاما.
وقالت صحيفة «ايل بايس»، وهي من كبرى الصحف الإسبانية: «هذا أسوأ من أسوأ كابوس محتمل للفريق، الذي لم يتلقَّ أبدا أكثر من هدف واحد في بطولة أوروبا أو كأس العالم منذ 2008». وأضافت «إس»: «أسوأ كابوس للبطل»، مشيرة إلى أن «روبن وفان بيرسي دمرا المنتخب الإسباني». وخيم الصمت على مدريد التي اعتاد أهلها الاحتفال بالانتصارات بإطلاق أبواق السيارات والغناء في الشوارع. وقالت صحيفة «إس» الرياضية: «أيها السيدات والسادة.. لقد ضاعت منا اللمسة الساحرة».
وقدم المنتخب الإسباني في مباراته الأولى في المونديال أسوأ بداية لرحلة الدفاع عن اللقب يقدمها أي حامل لقب في بطولات كأس العالم، مما دفع وسائل الإعلام الإسباني إلى التساؤل عما إذا كان الفريق سيودع البطولة مبكرا وبشكل مؤلم. وهزيمة إسبانيا في سلفادور البرازيلية هي الرابعة فقط في منافسات رسمية تحت قيادة المدرب فيسنتي ديل بوسكي منذ تعيينه في 2008. وقالت صحيفة «ماركا» الرياضية: «بدأت إسبانيا مشوار الدفاع عن اللقب من دون خط دفاع، وانتهى الأمر بهزيمة مذلة أمام هولندا».
وبينما سيطر الوجوم على إسبانيا، بعد الهزيمة الثقيلة لمنتخبها أمام نظيره الهولندي في بداية رحلة الدفاع عن اللقب العالمي، نعت وسائل الإعلام الإسبانية هذا الجيل، ورأت أن الهزيمة الكبيرة نهاية عهد هذا الفريق الذي سيطر تماما على كرة القدم الأوروبية والعالمية، على مدار آخر ست سنوات.
وخففت بعض الصحف من وقع الصدمة بالتذكير بأن إسبانيا خسرت أيضا مباراتها الأولى في نهائيات جنوب أفريقيا 2010 أمام سويسرا، قبل أن تنتفض وتحرز اللقب.
وبينما عاشت الجماهير والإعلام الإسباني كابوسا مزعجا، خرج الآلاف من جماهير هولندا إلى شوارع العاصمة أمستردام للاحتفال بفوز منتخب بلادهم في مباراته الأولى في بطولة كأس العالم، حاملين الأعلام والأبواق والطبول. كما أطلق المشجعون في كل أنحاء هولندا العنان لمشاعرهم مفجرين فرحتهم بعبارات تكررت مرارا على الشفاه: «ثأر» و«تاريخي».
وتصدر فيض من المديح والثناء الصفحات الأولى للصحف الهولندية على امتداد البلاد أمس غداة الفوز «التاريخي» للفريق البرتقالي على إسبانيا؛ «إنهم أبطالنا!»، «بداية حالمة للبرتقاليين»، «أمر لا يصدق!»، «هولندا تسحق إسبانيا»، و«فوز تاريخي»، هو بعض ما جاء في عناوين الصحف اليومية الرئيسة.
وقد سحق منتخب هولندا نظيره الإسباني بطل العالم 5 – 1 ليحقق ثأره من الخسارة التي مني بها على يد الإسبان في نهائي مونديال 2010 (0 – 1 في الوقت الإضافي). ثأر وصفته الصحيفة اليومية الشعبية «تلغراف» بـ«الثأر غير القابل للمقارنة في مواجهة إسبانيا: 5 – 1»، وفق ما جاء في عنوانها الرئيس.
أما صحيفة «فولكسكرانت» فكتبت في صفحتها الرئيسة: «في واحدة من المباريات التي حفرت في ذاكرة تاريخ هولندا في كأس العالم، ماذا نقول، واحدة من المباريات التي لا تُنسى في تاريخ كأس العالم، هولندا سحقت بطل العالم». وأشادت الصحيفة اليومية بشكل خاص بـ«الخطة المبدعة» للمدرب لويس فان غال، على رغم انتقاده سابقا لاعتماده على خمسة مدافعين.
وتحدثت صحيفة «تراو»، من جهتها، عن «انتصار سريالي»، يجب أن يمهد الطريق لهولندا لتصدر المجموعة الثانية، وتجنب مواجهة البرازيل في الدور الثاني. وذهبت أبعد من ذلك، حين كتبت: «هولندا الثائرة مزقت إسبانيا المرتبكة إربا إربا». وسألت صحيفة «أ دي» «من كان يتخيل ذلك؟ 5 – 1 في مواجهة بطل العالم!»، ناشرة صور المشجعين الهولنديين في أمستردام وروتردام وإيندهوفن.
وكانت ردة فعل المعلق الرياضي جاك فان غلدر على التلفزيون الرسمي الهولندي معبرة خير تعبير عن الحدث: «إنه التاريخ يكتب.. وسيسأل الناس مستقبلا: أين كنتم حين سحقت هولندا أبطال العالم؟ إنها من القصص التي ستخبرون عنها أحفادكم».
من جانبه، اعترف دل بوسكي المدير الفني للمنتخب الإسباني بأن فريقه يمر حاليا بوقت عصيب بعد الهزيمة 1 – 5 أمام نظيره الهولندي. وقال دل بوسكي، بعد المباراة: «أدرك جيدا أنه وقت عصيب.. معا جميعا، نحتاج إلى تصحيح الأوضاع ونسعى للفوز على منتخب تشيلي».
ولم يقدم دل بوسكي، الذي قاد الفريق للفوز بلقب كأس العالم 2010 والدفاع عن لقبه الأوروبي في يورو 2012 أي أعذار أو مبررات للهزيمة الثقيلة التي مني بها الفريق في بداية رحلة الدفاع عن لقبه. وقال دل بوسكي: «أتمنى أن نتعلم أيضا كيف نخسر، رغم أن الرياضي لا يستسلم أبدا، ويسعى للفوز في المباراة التالية». ووجد دل بوسكي تفسيرا بسيطا لما حدث في استاد «فونتي نوفا» بمدينة سالفادور وقال: «كانوا أفضل من فريقنا.. كانت هناك أخطاء، ولكن الفريق كافح بشكل قوي وبجدية». ونفى دل بوسكي أن يكون السبب وراء السقوط الإسباني هو أي مشاكل بدنية. وستلعب إسبانيا مباراتها التالية في المجموعة الثانية ضد تشيلي يوم الأربعاء المقبل. في المقابل، أكد مدرب هولندا فان غال أنه كان يتوقع «جودة الأهداف» التي سجلها منتخب بلاده لكرة القدم في مرمى إسبانيا حاملة اللقب، ولكن «ليس بهذا الكم».
وقال فان غال: «تسجيل خمسة أهداف في مرمى إسبانيا لم نكن نتوقعه بصراحة. الطريقة التي سجلنا بها الأهداف كنت أتوقعها، ولكن ليس بهذا الكم». وأضاف: «وضعت استراتيجية واللاعبون نفذوها بتفان وإقناع. لم نترك للإسبان سوى فرصة واحدة في الشوط الأول، وحصلوا على ركلة جزاء لا أعرف ما إذا كانت مستحقة. وشدد فان غال على عدم الإفراط في الفرحة، وقال: «لدينا كثير من اللاعبين القادرين على التحكم في فرحتهم وعدم الإفراط فيها، ولكن لدينا جهاز فني بإمكانه إدارة هذه الفرحة. هناك أيضا ظروف استثنائية، كنا نعرف بأن إسبانيا ستهاجم بهذه الطريقة، ولكن حدثت أمور جيدة لم يكن أحد يتوقعها. في الدقائق الـ20 الأخيرة، شاهدنا إلى أي درجة كان لاعبونا جيدين. ذلك يمنحهم الثقة، وأنا أنتظر المزيد منهم».
أما قائد المنتخب الإسباني إيكر كاسياس، فقد طلب «الغفران» بعد الهزيمة المذلة أمام هولندا. ويتحمل كاسياس المسؤولية عن بعض الأهداف التي دخلت شباك بلاده في المباراة، مشاركة مع الدفاع، مما دفعه إلى الاعتذار باسم المنتخب وباسمه بشكل خاص، مضيفا: «لم تكن أفضل مبارياتي، لأني لم أكن على مستوى المطلوب، ويجب التعامل مع هذا النوع من الأوضاع».
ولم يكن لاعب وسط برشلونة أندريس إنييستا يتصور أبدا أنه سيختبر موقفا مماثلا لما عاشه مع منتخب بلاده إسبانيا في مباراة هولندا.
«نحن متأثرون جدا. لا يوجد هناك الكثير لقوله بعد نتيجة من هذا النوع»، هذا ما قاله إنييستا بعد المباراة التي شهدت اهتزاز شباك إسبانيا بأكبر عدد من الأهداف منذ 1963 (2 – 6 أمام اسكوتلندا في مباراة ودية في مدريد). أما في المعسكر الآخر، فكانت الفرحة عارمة عند روبن فان بيرسي الذي سجل ثنائية مع روبن، وأصبحا معا أول لاعبين هولنديين يجدان طريقهما إلى الشباك في ثلاثة نهائيات.
المصدر: مدريد – أمستردام: «الشرق الأوسط»