كاتب وصحفي سعودي
كافح إسحاق محمد حرسي، مواليد 1988، للحصول على تذكرة دخول نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين وحفل افتتاح مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة، الذي أقيم يوم الخميس 1 مايو 2014 بكل الوسائل. ظفر إسحاق بعد محاولات بتذكرتين له ولشقيقه كمال. قاتل إسحاق لمشاهدة حدث لن يشاهده. فهو كفيف. لكنه لا يفوت أي فرصة ثمينة تمر أمامه دون أن يحاول أن يلتقطها. عاش إسحاق كل لحظة في الحدث. رأى كل شيء بعيون شقيقه الذي وصف له الأهداف والتمريرات والألعاب النارية بنشوة لامست شغاف قلبه وطبعت في ذاكرته.
يفقد إسحاق حاسة البصر، لكن لم يفقد حاسة الاستمتاع بالتفاصيل. استأذن من عمله في مكتبة الملك فهد العامة في جدة لحضور هذا الحدث الذي لا يتكرر. يعتبر إسحاق نفسه محظوظا؛ لأنه يسمع ويشم ويتذوق ويتخيل، وهذه الحواس تجعله يبصر ما لا نبصر، ويرى أشياء لا نراها. فخياله يضفي نكهات على المشاهد تعطيها ألوانا لا نعرفها وأشكالا لم يسبق أن رأيناها.
يتابع إسحاق الدوري المحلي والمنافسات الكروية الأوروبية. يعود لبعض المقاطع القديمة المنشورة على “يوتيوب” للاعب الهلال الدولي السابق، يوسف الثنيان؛ ليستمتع بمهاراته التي يصفها المعلق بمتعة ويتأثر ويطرب بها إسحاق.
يلعب إسحاق كرة القدم مع أقرانه، ويتمنى لو كان أخف وزنا حتى يصبح لاعبا ماهرا يخترق الصفوف واللاعبين بسلاسة.
أكثر ما يضايق إسحاق أن يحزم أي يوم أمتعته دون أن يقرأ كتابا أو رواية. تغذي القراءة روحه وتضيء دقائقه.
يرجع إسحاق تفاؤله إلى والديه اللذين لم يغلقا الأمل في وجهه. فتحا له باب الحياة وتعاملا معه كإنسان لا يختلف عن الآخرين، فمارس حياته بتلقائية مكنته من أن يَسعد ويُسعد.
أكرمنا الله بنعم لا تحصى لكن القليل منا يمتن. الامتنان له أشكال وألوان عدة. أهمها الرضا والحمد. تجد شريحة كبيرة منا قانطة يائسة إثر مزاج متكدر أو ضيق متجذر دون أن نستذكر أن معاناتنا لا تقارن بأخرى يرزح تحت وطأتها بعضنا. لكنهم يبهروننا بعطائهم وحيويتهم.
أبتهج عندما أشاهد أشخاصاً كإسحاق.. لم تمنعهم التحديات التي يعيشونها من الاستمتاع والعمل والطموح. في حين يؤلمني حينما أتصفح وجوها شابة وهبها الله الصحة والعافية مقفرة لذرائع واهية.
هناك مَن يبحث عن السعادة في أحلك الظروف، وهناك مَن يخترع التعاسة في أحسن الظروف. الأول سيحوّل حياته إلى متعة، والآخر سيحيلها إلى عتمة.
المصدر: الاقتصادية