كاتب وصحفي سعودي
واجهت مدينة ليفربول البريطانية قبل عدة سنوات مشاكل في ارتفاع عدد حوادث الحريق في المدينة. مرت على إدارة مكافحة الحرائق عدة أسماء. لكنها لم تستطع أن تقدم حلولا ناجعة حتى تم تعيين توني مغوايرك، رئيسا. كانت سياسة السيد مغوايرك واضحة. لن أصرح ولن أعد بأي شيء. سأعمل. زار خلال أسابيعه مئات المنازل والمصانع في المدينة؛ ليقف بنفسه على المخاطر التي تحدق بها. اكتشف خلال زياراته مشكلة كبرى تتمثل في أن أغلب المنازل التي تصفحها لا تتوافر فيها أجهزة الإنذار المبكر. ولا توجد فيها مخارج طوارئ ملائمة. بعد شهور قصيرة قام فريقه بتركيب 700 ألف جهاز إنذار دخان مجانا في منازل في ليفربول، وتصليح نحو 350 ألف جهاز لا يعمل. وزع آلاف طفايات الحريق على السكان. يأتي برفقة كل طفاية إخصائي يقوم بشرح استخدامها حتى لا تظل قطعة أثاث في المنزل. اتفق مع المدارس أن كل طالب ثانوية يحضر ورشة تدريب أولية على الحرائق في المدينة يحصل على تكريم في مدرسته ودرجات إضافية. حضر هذه الدورات أغلب طلاب الثانوية في ليفربول بنسبة تجاوزت توقعات مغوايرك مما اضطر فريقه إلى إقامة ورش مسائية لتلبية الأعداد الهائلة التي تقدمت لحضورها. خصص ورشا لربات البيوت نظمها في الأحياء لنشر ثقافة مكافحة الحرائق.
المثير أن عدد فريق مغوايرك يعتبر الأقل خلال العقود الماضية في مدينته، كما أن ميزانيته تعتبر الأدنى مقارنة بأسلافه.
لقد نجح مغوايرك خلال أقل من 14 شهرا في خفض نسبة الحوادث في ليفربول إلى نحو 52 في المائة في إنجاز غير مسبوق. كتبت ”الإيكونوميست” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2010: ”مكافحة الحريق في ليفربول.. القيام بالكثير بالقليل”.
يروي غازي القصيبي في كتابه ”العودة سائحا إلى كاليفورينا” قصة مشابهة نوعا ما، يشير فيها إلى أن وزير البريد في ألمانيا قام بزيارة إلى مكتب بريد محلي في ألمانيا لشراء طوابع وهاله ما رأى من وقاحة الموظفين واستهتارهم. فقام بحملة واسعة لتطوير قطاع البريد وتدريب منسوبيه عبر عقد الورش والدورات واتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لمعالجة مشاكل جهازه، التي وقف عليها. فأثمرت الحملة وأورقت وجوه موظفي البريد في ألمانيا. يقول القصيبي: ”كل هذا لأن وزيرا اشترى الطوابع بنفسه ولم يرسل الفرّاش”.
لا توجد أسرار دفينة لنجاح المسؤول في القطاع العام في أي مكان حول العالم. يتطلب نجاح المسؤول أن يقف بنفسه على المشاكل. أن يذهب ويلمس ويرى لا أن يسمع ويتفرج.
إحدى مشاكلنا الكبيرة تكمن في تنظير مسؤولينا وعدم معايشتهم للمشاكل على أرض الواقع.
إن مهمة الباحث هي التنظير والتحليل لكن مهمة المسوؤل هي العمل والتنفيذ والمتابعة والمراقبة. لو قام جل مسؤولينا بواجباتهم الوظيفية لما واجهنا هذه المشاكل التي تزيد ولا تنقص.
المسؤول أمام خيارين، إما أن يكون إطفائيا يخمد هموم المواطن، أو عود ثقاب يشعلها في صدره.
المصدر: الإقتصادية