ضحى فاضل
ضحى فاضل
باحثة اقتصادية من الإمارات

إطلاق العنان لصناعة التمويل الإسلامي

آراء

 

ما زالت صناعة التمويل الإسلامي تنمو باطراد لافتة أنظار المتابعين إلى الفرص التي تقدمها هذه الصناعة الناشئة ومثيرة في الوقت نفسه التساؤلات حول حجم التحديات التي تواجهها وعن كيفية النهوض بها لتنافس بشكل جاد صناعة التمويل التقليدي في ظل اقتصاد تتسارع خطاه نحو المجال الرقمي. وقد قُدّر إجمالي أصول التمويل الإسلامي في عام 2015 بحوالي 2 تريليون دولار أمريكي تشكل أصول المصارف الإسلامية حوالي 73% منها بينما تتوزع البقية على المؤسسات المالية غير المصرفية وأسواق رأس المال والتأمين الإسلامي المعروف بـ”التكافل” إضافة إلى الصناديق الإسلامية. كما قدر البنك الدولي أن صناعة التمويل الإسلامي نمت بمعدل 10-12٪ سنويًا خلال العقد الماضي.

وقد بدأ الالتفات لصناعة التمويل الإسلامي باهتمام أكبر من قبل المُنخرِطين في عالم التمويل بعد الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد العالمي عامي 2008و2009 (والركود العظيم الذي تلاها) حيث كانت صناعة التمويل التقليدية أحد المتهمين الرئيسيين فيها من خلال قروض الرهن العقاري المتساهلة والتي لم تراعِ في كثير من الأحيان مدى أهلية المقترضين عدا عن إساءة البعض استخدام المشتقات المالية. كما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك مُنتقدين الأساسات التي بُني عليها النموذج الرأسمالي عموماً ومُشككين في مدى استدامتها على المدى البعيد. وقد برزت المؤسسات المالية الإسلامية خلال فترة الأزمة بأداء أكثر صلابة نسبيًا مقارنة بنظيراتها التقليدية. ولكنها رغم ذلك لم تكن بمنأى عن آثار الركود الاقتصادي الذي تلى الأزمة حيث تأثرت سلبًا قطاعات مثل التشييد والعقارات والصناعة التي عادة ما يتركز فيها تمويل المصارف الإسلامية.

وبالرغم من النمو اللافت الذي حققه التمويل الإسلامي، إلا إنه ما تزال هناك  بعض التحديات التي تواجهها الصناعة و التي يمكن أن تساعد معالجتها في بلوغ التمويل الإسلامي أقصى إمكاناته وبالتالي يصبح أكثر قدرة على منافسة التمويل التقليدي وبلوغ أسواق جديدة حتى خارج العالم الإسلامي.

بعض هذه التحديات يتعلق بالجهات الرقابية والتشريعية التي يُنتظر منها أن تلعب دورًا أكبر في عملية تنظيم ومواءمة المعاملات المالية من خلال وضع لوائح تنظيمية خاصة بالمؤسسات الإسلامية تنبع من فهم أعمق لطبيعة عمل هذه المؤسسات والأدوات المالية التي تتعامل بها.وهنا، تجدر الإشارة إلى دورمنظمتين إقليميتين هامتين هما هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية اللتين قامتا بوضع معايير محاسبية ورقابية تتناسب وطبيعة عمل هذه المؤسسات. ولكن بحسب مسح قام به صندوق النقد الدولي عام ٢٠١١، فإن ثمانية دول فقط من أصل ٢٩ دولة شملها المسح تبنت معايير المحاسبة والتدقيق الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية بينما طبقت ٦ دول فقط معايير الرقابة الخاصة بإدارة المخاطر في هذه المؤسسات. وما تزال معظم الدول التي تتواجد فيها صناعة التمويل الإسلامي بشكل كبير تطبق لوائح اتفاقيات بازل المنظمة للقطاع المصرفي على جميع مصارفها بغض النظر عن كونها إسلامية أوتقليدية مما يشكل تحديًا للجهات الرقابية والمؤسسات المالية الإسلامية على السواء في كيفية مواءمة لوائح بازل مع نموذج عمل هذه المؤسسات.

ومن ضمن التحديات التي تواجه الصناعة أيضًا تطبيق معايير حوكمة خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية بحيث تضمن درجة عالية من الشفافية وتوافق منتجاتها مع الشريعة الإسلامية. وهنا يوصي مجلس الخدمات المالية الإسلامية بوجود مجلس رقابي مستقل يقوم بعمل مراجعات دورية على هذه المنتجات. كما يطالب كثير من الخبراء بوجود مجلس مركزي للشريعة يعمل على مواءمة المعاملات المالية بين المؤسسات وحتى بين الأنظمة المختلفة لتخفيف الالتباس الذي يصيب البعض حول هذه المعاملات وبالتالي زيادة الثقة فيها وتسويقها بشكل أوسع.

من جانب آخر، يبرز شح أدوات السيولة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية كتحدي آخر يواجه المصارف الإسلامية حيث يدفعها ذلك إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من النقد غالبًا ما يأتي على حساب ربحيتها. وهنا تبرز أهمية تطوير أدوات سيولة عالية الجودة تتوافق مع الشريعة الإسلامية مثل الصكوك السيادية على سبيل المثال وكذلك مواصلة تطوير أسواق الدين في الدول التي تتواجد فيها المؤسسات المالية الإسلامية. كما يمكن للبنوك المركزية تطوير أدوات سيولة للحالات الطارئة متوافقة مع الشريعة الإسلامية للمساعدة في معالجة شح هذه الأدوات من جانب وتحقيق استقرار القطاع المالي وزيادة فاعلية السياسة النقدية من جانب آخر.

أيضًا، من أبرز التحديات التي تواجه التمويل الإسلامي اليوم هي القدرة على المنافسة في عالم تتسارع خطاه نحو تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي حيث تبرز مؤسسات التكنولوجيا المالية أوما يسمى بال Fintech كمنافس قوي لمؤسسات التمويل التقليدية عمومًا. وقد ينظر البعض إلى ذلك على أنه فرصة أكثر منها تحدي، وهو رأي صحيح شريطة أن تسارع مؤسسات التمويل الإسلامي إلى استثمار جزء من مواردها في استكشاف العالم الرقمي وتطوير منصات رقمية لتقديم خدماتها للجمهور. وهنا تبرز أهمية استقطاب المواهب خصوصًا من الأجيال الشابة الأكثر ثقافة وإلمامًا بوسائل التكنولوجيا الحديثة.

وأخيرًا، هناك حاجة ماسة لتطوير قاعدة أكاديمية وبحثية عميقة تساعد في تأهيل كوادر نوعية لرفد صناعة التمويل الإسلامي ورفعها لمستوى المنافسة في الأسواق العالمية. كما قد يساعد وجود مثل هذه القاعدة في حدوث حوارات جادة لتقريب المدارس الفكرية المختلفة وبالتالي العمل على إيجاد حلول للقضايا والتحديات التي تواجه هذه الصناعة في ظل عالم سريع التغير.

خاص لـ (هتلان بوست)