إعادة خلط أوراق على الساحة الأفغانية؟

آراء

لا شك في أن اعتراف سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية بإيواء بلاده قادة لـ «طالبان» الأفغانية، يشكل ضغطاً هائلاً على إسلام آباد، في وقت تعاني كابول عجزاً في مواجهة مسلحي الحركة في بعض مناطق الجنوب الأفغاني.
عزيز وهو أبرز مستشاري رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف وأحد أقرب معاونيه، اختار الإقرار بهذا الأمر الذي حامت حوله الشكوك منذ سنوات من دون أن تعترف به إسلام آباد صراحة، في كلمة أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي.
لم يكتفِ المسؤول الباكستاني بهذا الحد، بل طمأن مستمعيه الى إمكان استخدام وجود قادة من «طالبان» وعائلاتهم على الأراضي الباكستانية، للضغط على الحركة من أجل إحلال السلام في افغانستان. وبدت إسلام آباد بهذا الموقف وكأنها تريد تثبيت دورها في أي محادثات سلام أفغانية مستقبلاً، خصوصاً أن عزيز قال في كلمته إن حكومة بلاده «ضغطت على هؤلاء القادة (في «طالبان») للمشاركة في أول حوار مباشر مع كابول في 7 تموز (يوليو) 2015، إذ هددناهم بالطرد وقيّدنا تحركاتهم وإمكان وصولهم الى المستشفيات أو حصولهم على تسهيلات. لذا نعتقد بأننا اظهرنا صدقية في دفع الحوار، مع الأمل بأن تلقى مبادرتنا تقديراً، وتضطلع الحكومة الأفغانية بدور أكثر نشاطاً في إنجاح المحادثات».
وتنبع أهمية هذا الكلام من كونه يتزامن مع محادثات رباعية تشارك فيها باكستان وأفغانستان والولايات المتحدة والصين لإحياء مفاوضات سلام مباشرة بين كابول و «طالبان»، علماً ان الحركة نفت أن تكون تلقت أي دعوة الى مفاوضات في وقت قريب.
في الوقت ذاته، فإن تأكيد الحكومة الباكستانية نفوذها على «طالبان» يأتي في توقيت غريب مع ما يحصل ميدانياً في الجنوب الأفغاني حيث تنسحب القوات النظامية التي تتبع لكابول أمام مسلحين من الحركة يفترض وفق الإشاعات التي لم يفعل سرتاج عزيز سوى تأكيدها، ان تكون قيادتهم موجودة في مدينة كويتا الباكستانية. بالتالي فإن انسحاب القوات الأفغانية لمصلحة مسلحي الحركة لا يحمّلهم وحدهم مسؤولية الأمن في مناطق سيطرتهم، بل يحمّل أيضاً القيادة العسكرية الباكستانية، ويضع إسلام آباد أمام امتحان نيات صعب، فهل هي تضغط لتساوم أم أنها تساوم خشية فقدان قدرتها على الضغط. بالتالي هل ثمة قوى أخرى دخلت على خط العلاقة بين باكستان والحركة، من جهة والأخيرة وكابول من جهة أخرى؟
كل ما تقدم يشير الى عملية إعادة خلط أوراق على الساحة الأفغانية، لا يستبعد أن تؤدي الى عودة الحديث عن سيناريو تقسيم، ذلك أن أبناء الأقليات غير البشتونية لن يقبلوا في أي حال من الأحوال سيطرة للحركة على مقدراتهم الوطنية ويرون أن نفوذ المسلحين البشتون يجب ألا يخرج عن مناطق انتشارهم التقليدية في جنوب البلاد.
يضاف الى ذلك انقسام الحركة نفسها بين مناصرين لزعيمها الجديد الملا تختر منصور واتباع قيادي منشق أقرب الى «داعش» وأكثر تنسيقاً معها، ما يوحي بمواجهات محتملة في المستقبل القريب بين الجانبين.
وفي غضون ذلك، تتعالى أصوات في صفوف الجيش الأفغاني عن مغزى طلب القيادة في كابول انسحابهم من مناطق في الجنوب دفعوا اثماناً باهظة لتحريرها، وهو أمر لا شك سينعكس سلباً على معنويات الجنود التي تراجعت أساساً مع بدء الانسحابات الأميركية.
المصدر: جريدة الحياة