كاتب وإعلامي سعودي
أقر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي من جملة القرارات التي اتخذها نظام حماية الطفل، والذي تزامن مع الاحتفال العالمي ليوم الطفل بمناسبة مرور 25 عاماً على اعتماد اتفاقية حماية الطفل. في البداية علينا أن نستبشر ونفرح بإقرار المملكة لهذا النظام المهم، الذي يُعنى بحماية الطفل وهم من دون الـ18 من العمر، ويفترض أن يقدم الحماية للأطفال من الإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي، ويعطي الأطفال حقهم في التعليم المجاني من المراحل الأولى حتى المرحلة الجامعية.
وبعضهم يرى أن إقرار هذا النظام قد تأخر كثيراً، وقد يكونوا محقين، ولكن هذا لا يهم، ما دام أن النظام قد أقر بعد دورة طويلة من الإجراءات في هيئة الخبراء، ومن ثم في مجلس الشورى، باعتقادي أن نظام حماية الطفل وإقراره مهم جداً؛ لأنه يتعاطى مع فئة اجتماعية هي بحاجة إلى الحماية من المؤسسات الرسمية والأهلية، وللتطور الاجتماعي في المملكة -كأي مجتمع آخر- لديه من السلبيات والممارسات الخاطئة تجاه بعض الفئات الاجتماعية، وهو ما يتطلب تدخل جهات الاختصاص في حال وجود انتهاكات لحقوق أي إنسان في أي مجتمع.
لا يكفي أن ندَّعي أننا مجتمع إسلامي محافظ، وأنه ليس لدينا من يعانون من الظلم الاجتماعي بأشكاله المتعددة، إما بسبب الجنس أو اللون أو الفئة العمرية، ولا يكفي أن نتفاعل مع بعض الحالات من العنف ضد الأطفال، التي نشهدها في وسائل التواصل الاجتماعي لحالات من العنف الجسدي واللفظي، تخرج علينا من فترة إلى أخرى، والتي يتبعها إجراءات عقابية لمن قام بها، وبخاصة في بعض المدارس.
للأسف أنه ليست لدينا دراسات علمية تشخص حجم المشكلة في مجتمعنا، وهناك دراسة اطلعت عليها صدرت حديثاً، وأظهرت نتائجها التي أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية، تفشي ظاهرة الإيذاء ضد الطفل في المجتمع السعودي بشكل عام، فقد اتضح أن 45 في المئة من الأطفال المشاركين في الدراسة يتعرضون لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية، وقد وجد أن 21 في المئة من الأطفال السعوديين يتعرضون للإيذاء بشكل دائم في حين يتعرض 24 في المئة من الأطفال السعوديين للإيذاء أحياناً.
علينا الإقرار أن ظاهرة الإيذاء ضد الطفل هي ظاهرة عالمية، وهي بازدياد، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، كما تشير بعض الدراسات الاجتماعية. من هنا تأتي أهمية مثل إقرار هذا النظام، ولكن علينا ألا نركن إلى إقرار النظام فقط، كما هي حالنا في أنظمة كثيرة، إذ تتعثر أو لا تطبق لأسباب كثيرة، أو بسبب عدم وضوح في الجهات الرسمية صاحبة الصلاحية في تطبيق تلك الأنظمة، فنظامنا لحماية الطفل يبدو أن الجهة أو الجهات المعنية بتطبيقه هي وزارتا الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم، وبعض المختصين يرى أن إسناد وظيفة تنفيذه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية خاصة لا يبشر بالخير، فأداء الوزارة في التعاطي مع أنظمة مماثلة كنظام الإيذاء الأسري لم يكن جيداً.
أعتقد بأن دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بهذه القضية قد يكون أكثر نفعاً من وزارة الشؤون الاجتماعية، ولاسيما إذا عرفنا أن تلك المؤسسات والجمعيات الأهلية هي من أسس لجهود لا يمكن إنكارها في حماية الطفل، وقام بالحملات والندوات للتوعية بحقوق وحماية الطفل.
وزارتا التربية والتعليم والصحة من أهم الجهات الرسمية في التعاطي مع هذه القضية، بسبب التماسَّ المباشر مع قضايا العنف ضد الأطفال في المدارس، فالمعلم مثلاً يمكن أن يلاحظ آثار العنف الجسدي بين طلابه، أو التغيرات النفسية لديهم، والتي قد يكون سببها عنف تعرض له الطفل في محيط أسرته، فدور المعلم مهم جداً للتبليغ عن تلك الحالات، أما وزارة الصحة فكثير من الأطباء وعند تعاطيهم مع بعض الإصابات الجسدية لدى الأطفال يمكنهم أن يشخصوا بسهولة سبب ذلك، وأنه نتيجة لعنف وقع على الطفل، لذلك فدورهم مهم وسكوتهم وعدم تبليغهم يعتبر خيانة لمهنتهم.
هناك قضية حساسة في تعاطينا مع هذه القضية، وهي قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال، وهي -كما تشير معظم الدراسات- أنها تقع للأسف من القريبين من الطفل في غالبية الحالات، وباعتقادي أن الحل الأمثل لهذه الجزئية هي بتوعية الأطفال في المدارس، من خلال تضمين المناهج ولاسيما المراحل الأولى من التعليم، وتضمين مفاهيم الثقافة الجنسية لدى الأطفال، حتى يكونوا على دراية ومعرفة بين السلوك العاطفي الطبيعي، وبين التحرشات الجنسية التي قد يتعرضون لها.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/5860291