كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
سألني بالأمس سائق باكستاني: هل صحيح أنه عندما تفوز دبي باستضافة إكسبو 2020 ستكون هناك نصف مليون وظيفة جديدة في دبي؟
هذا السؤال لم يكن شاذا، فمن يزور دبي، يعرف أن الإكسبو تحول إلى حدث المدينة، وحديث كل الناس فيها، فالإكسبو كما هو معلوم حدث اقتصادي ضخم، وهناك منافسة حادة بين دول العالم لاستضافته، ودبي دخلت هذه المنافسة، لتتوج جهود عقدين من العمل المتراكم في تأسيس البنية التحتية التي تجعل المدينة مزارا اقتصاديا وسياحيا عالمي النكهة والتميز.
من يزور دبي، سيلاحظ أيضا شعار دبي كمدينة مرشحة لإكسبو 2020 في كل مكان، في كل المباني، وعلى السيارات، وتجدها كأعلام على البيوت، وكهاشتاق في أحاديث الإماراتيين وأهل دبي على تويتر، وفي الصحف والمجلات، وبداية حديث المذيع اللبناني في الصباح في أحد إذاعات المدينة كل يوم، إكسبو 2020 تحول إلى حلم للمدينة، وخطوة ضخمة، يقف ورائها الجميع أيا كانت جنسياتهم ومهنهم ومستوياتهم الاقتصادية، فإنجاز دبي يعني المزيد من الرفاه والحياة الناشطة لهم.
بالنسبة لمواطني الإمارات، تفوق دبي في الفوز بإكسبو 2020 هو أيضا إنجاز يضاف لكل إنجاز يوما بعد يوم للرؤية الطموحة التي يحملها قادة الدولة وحكام دبي، هو جزء من فخرهم بوطن يتصاعد وينمو ويعلو ويتقدم المسيرة، هو روح وطنية من نوع مختلف تماما، نوع يبحث عن الإنجاز للوطن فقط.
عندما تلاحظ كل هذا الضجيج والاهتمام بإكسبو 2020، قد تظن بدءا أنها حملة من الحملات الإعلامية الناجحة التي تقودها دبي كل يوم، ولكن الحقيقة مختلفة هذه المرة. الحقيقة أن كثير مما تراه هو جزء من انتماء أهل المدينة لمدينتهم دبي التي يستيقظون كل يوم وهو يأملون لها الخير، وهم مقتنعون بأن إكسبو 2020 هو جزء من ذلك.
لم يصادف لي في حياتي أن شهدت مثل هذه التجربة، أن يقف الجميع وراء فكرة اقتصادية عملية، لا شعارات سياسية ورائها ولا أجندة أيديولوجية، ولا مطامح شخصية، فقط نجاح للمدينة وسكانها، نجاح للتجربة التنموية والاقتصادية، بحث حثيث عن الإنجاز، تسرب من القادة لكل الجمهور.
في رأيي، لدبي أن تفخر أنها حققت كل ذلك. هناك نقد لتجربة دبي من بعض زوارها، ولكن هذا النقد متوقع لأن تجربة بهذه السرعة وهذا الطموح، وهذه الجرأة والانفتاح وتحدي المسلمات، يجعلها مفاجئة ومثيرة للنقد، ولا يوجد كمال إلا لوجه الله، ولكن دبي استطاعت أن تصنع الإنجاز الحضاري. حكاية تفوق دبي هي جزء من الإنجاز الإماراتي كذلك، وهي حافز للمدن المتنافسة في الخليج والعالمين الإسلامي والعربي.
كم أتمنى ان تنفذ هذه الروح إلى مدن عربية أخرى انشغلت بتلك النقاشات السياسية ليل نهار، بينما هي غارقة في التخلف الاقتصادي ومشكلات الحياة الصعبة ومعاناة الشباب الباحثين عن عمل. الجدل السياسي يكون معقولا ومفهوما عندما تفرغ الأمة من علاج مشكلاتها الكبرى حتى تبدأ في الصراع على الجزئيات، ولكن التجربة الخليجية عموما تؤكد مسلمة بديهية وهي حاجة التجارب التنموية لقيادة يتوحد الجميع خلفها، تمضي بهم للأمام في خضم دروب التطور والتنافس العالمي حتى تصل بالمجتمع إلى حالة الرفاه. باختصار، الإنجاز الاقتصادي بمعناه الشامل يفتح الباب لكل نجاحات الأمة الأخرى والعكس صحيح.
بعد يومين يتم التصويت لتحديد المدينة التي تستضيف إكسبو 2020. لا يهم من هي المدينة التي ستختارها لجنة التحكيم، ففي كل الأحوال، دبي تفوز!
خاص لـ “الهتلان بوست”