يُقال أنه حين أزيح الستار عن “كريستال بالاس” في منتزه هايد بارك عام 1851 إيذانا بافتتاح المعرض الكبير، وكان مجللا بالزجاج الذي يتوهج متألقا تحت أشعة الشمس، قال المراقبون يومذاك أنه يشبه بعضا من حكايات ألف ليلة وليلة، وكانت تلك تقليعة ذلك العصر. لقد كان مشهدا لم تعرف لندن مثيلا له من قبل.
عرض كريستال بالاس على مدى خمسة أشهر عجائب الصناعات والمصنوعات المعاصرة أمام ملايين الزوار. وشارك في المعرض أكثر من 15,000 عارض بما يربو على 100,000 من المعروضات على امتداد عشرة أميال. وقد كتبت الملكة فيكتوريا في يومياتها وقتذاك “لقد عَرض كل ما يخطر بالبال” من اختراعات ذاك الزمن. وكانت بريطانيا في أوج ثورتها الصناعية وآن لها الأوان لتظهر للعالم إنجازاتها وتدعو الدول الأخرى لتحذو حذوها.
ومنذ ذلك الحين تغير العالم جذريا، ومعه تغيرت طبيعة الابتكار أيضا. فباستطاعتنا اليوم مثلا أن “نتلاقى” عبر الإنترنت في الحال ومتى نشاء، أو أن ندخل ونشاهد صالة فنون لحظة افتتاحها أو نحضر حفلة موسيقية في أي مكان في العالم ساعة بدئها ونحن جالسين في بيوتنا. إننا نعيش في عالم من التطور التكنولوجي الذي لم يسبق له مثيل، ونستطيع أن نتقاسم منافع الاختراعات أينما كنا. ولكن، ورغم أن العالم الرقمي قربنا من بعضنا البعض، فإنه لا يمكن أن يكون بديلا للاجتماع وجها لوجه. وتظل معارض إكسبو الدولية محتفظة بأهميتها اليوم مثلما كانت في منتصف القرن التاسع عشر. ويرجع تاريخ تأسيس هيئة هذا المعرض العالمي إلى قبل حوالي 150 عاما، ومع ذلك لم يسبق له وأن أقيم في الشرق الأوسط أو افريقيا أو جنوب آسيا.
يتنافس عدد كبير من المدن على استضافة إكسبو 2020، وهو المعرض الذي حل مكان المعرض الكبير. فهناك ساو باولو وإزمير وإيكااتيرينبيرغ وآيوثايا ودبي، وكلها مدن مميزة وغير عادية وقادرة على تقديم شيء فريد من نوعه للعالم. ولكن واحدة منها هي التي تبدو بارزة ومتميزة في مخيلتي. ولقد أعلنتُ في البرلمان اليوم أن المملكة المتحدة سوف تدعم دبي كمضيفة لمعرض إكسبو 2020.
يرجع ذلك إلى أسباب رئيسة ثلاثة:
الأول، هو أنه مثلما كانت استضافة لندن للمعرض الكبير عام 1851 فرصة مميزة لها، فإن أمام دبي الفرصة هي الأخرى اليوم لتعرض منجزاتها على العالم. فقد شهدت دبي طوال 50 سنة الأخيرة تحولا مشهودا من بلدة صغيرة تعمل بالتجارة المحدودة وصيد السمك والغوص على اللؤلؤ لتصبح واحدة من أكثر مدن العالم العصرية تنوعا، وباتت مركزا عالميا للنقل والمواصلات والسياحة والتجارة. وكان أن عادت الخطوة الفذة التي اتخذتها دبي لحفر وتعميق الخور بمنافع جمة، وهو الآن مقر لمراسي جبل علي الرائعة ولمطار دبي.
لم تعد دبي مدينة من مدن منطقة الخليج العربي وحسب، بل إنها مدينة عالمية. فهي محور التقاء الثقافات والأفكار والناس من أرجاء المعمورة، ويعيش ويعمل فيها أناس ينتمون إلى أكثر من 200 جنسية. ونظرا لأن لندن مدينة عالمية منذ مئات السنين، فإن بريطانيا تستشف وجود روح مماثلة في دبي.
قم بجولة بالسيارة في دبي فتشاهد العمارة المذهلة والبنية التحتية التي تخدم السكان جميعا، من إماراتيين وهنود وأفريقيين وأوروبيين وآسيويين وزوار، حيث يستعملون المترو العصري الذي صممته شركة بريطانية وتديره أخرى.
وحين تزور دبي، كما يفعل مليون بريطاني كل عام، ستجد نفسك تتحدث مع سكانها وتسمع مختلف اللغات، من العربية والأوردو والملاوية والصومالية والتاغالوغ والروسية وحتى بالطبع اللغة الدولية، الإنجليزية.
وفي ظل قيادة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تألقت سماء دبي بطائفة من الأفكار وتبنت رؤية انعكس أثرها على المنطقة ككل، بل تجاوزتها. ولا تنام دبي على أكاليل ما حققته من مجد، بل إنها تواصل تحديد أهداف جريئة طموحة لنفسها كي تظل في المقدمة، منجزة ذلك بالتعاون مع مجتمعها المتنوع. فدبي كبيرة بأفكارها وتفكيرها. ويفخر 100,000 بريطاني أو نحو ذلك يعيشون فيها ويعتبرونها وطنا لهم بما ساهموا به تجاه التطور المذهل الذي شهدته دبي، جالبين معهم رؤية وثقافة رفض المستحيل.
ثانيا: إن إقامة معرض إكسبو 2020 في دبي سيذكَّر العالم بأن الشرق الأوسط منطقة حركة وتفاعل وإبداع وإمكانات بشرية، وليس منطقة صراع وانعدام أمن كما يُعرف في الغالب. وأي مكان أفضل من دبي لإلقاء الضوء على روح الإبداع والحيوية وإمكانات المنطقة. وتستطيع دبي أيضا إلهام الآخرين بأن بإمكانهم هم أيضا تغيير بلادهم نحو الأفضل من خلال الرؤية الثاقبة والثقة بالنفس والعمل الجاد.
ثالثا، إذا ما استضافت دبي مثل هذه الفعالية العالمية فلن ينعكس أثرها على الشرق الأوسط وحسب، بل على المجتمعات والاقتصادات النشطة الناشئة في أفريقيا وآسيا كذلك، فهي على بعد مسافة جوية قريبة منها.
وعليه، فإن المملكة المتحدة ستدعم عرض دبي استضافة إكسبو 2020 كونها تستحق نيل فرصة إطلاع العالم على منجزاتها، ولأنها ستكون دلالة رائعة على ديناميكية المنطقة وإمكاناتها. أتمنى لشعبها كل النجاح في عرضها هذا وغيره.
بقلم: ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني
المصدر: البيان