مدير تحرير صحيفة الجزيرة
هاجم الشيخ يوسف القرضاوي دول الخليج المتضررة من نشاطاته الظاهرة والباطنة في الدوحة، معتبراً أن إشاعات مغادرته قطر هي «من تمنّيات الفارغين والحالمين، من أعداء الإسلام» وفق ما نشرته «الشرق» القطرية السبت الماضي.
من المؤكد أن إسرائيل والدول الغربية لا يعنيها وجوده، إنما «أعداء الإسلام» هنا يمكن حصرها «إضافة إلى مصر» في السعودية والإمارات والبحرين التي أدرجها ضمن الأعداء في خطبه وهاجمها مراراً، خصوصاً الإمارات التي أخرجها وحكامها من عباءة الإسلام في خطب عدة.
هذه الدول لا يهمها خروج القرضاوي أو بقاؤه، وهي تدرك جيداً أن خطره نشأ من محل إقامته والدعم الذي يناله ليمارس التحريض القولي والفعلي ضد هذه الدول وتهييج كوادر جماعته داخلها لإرباك أمنها وسلمها. ومعنى الخروج هو انقطاعه، كلياً، عن هذه الأعمال سواء بقي أم غادر.
لم يعتذر القرضاوي عن أقواله، على الأقل، وإنما أصرَّ على أن «ما قلته وأقوله إنما هو من باب النصيحة المخلصة، التي سيتبيّن صدقها بعد حين»، ما يعني أن موقفه السابق لم يتبدل. والأنكى أنه يؤكد أن هذه الدول ماضية إلى خطر إن لم تسمع قوله وتتبع نصيحته في تمكين جماعته من مفاصلها، حتى يظهر الإسلام «السني النقي» المتجسّد في طروحات حسن البنا.
تناقلت وسائل الإعلام تصريحات القرضاوي على أنها «رسائل تصالحية» لدول الخليج لاشتمالها على عبارات محبته للسعودية والإمارات، إلا أن هذه العبارات لا تهم هذه الدول «إنما يبكي على الحب النساء»، بل ما تريده هو الالتزام الصادق. ولعلها تتخوف من هذا الحب الذي بقي على منهجه الأول وخطابه السابق، وكأنه يريد سعودية أخرى وإمارات ثانية غير التي نعرف. يريد لهم أن يسمعوا كلامه ويتبعوا خطه، فهو بحسب قوله شارك «في كل عمل حر يوجهها ويبنيها» ومن المؤكد أن هذا التوجيه والبناء لا يختلف عما يتمناه لمصر من عودة «الإخوان» إلى حكمها. هي الآن، في الخندق ذاته، لأنها تدعم الخيار المصري وتسانده في اختيار توجهه.
يقول القرضاوي في تصريحاته: «كما أن موقفي الشخصي لا يعبّر عن موقف الحكومة القطرية، كما صرّح بذلك وزير خارجيتها، إذ إني لا أتولى منصباً رسمياً، وإنما أعبّر عن رأيي الشخصي».
وهذا حق لولا أنه يستخدم المنبر منصة لإطلاق سهام غادرة، ولولا أن ما يقوم به لا يقتصر على الرأي وإنما يمتد للفعل والتشجيع والدعم والاحتضان، ما يجعل موقفه عدائياً بالدرجة الأولى، مع التأكيد على أن أي نشاط يقوم به لا يهم، فهو عضو «إخواني» يخدم أهداف جماعته، ومثله كثير من قيادات الإخوان. ولا أحد يعتب منه أو يستاء، فهذه الخصومات مألوفة، ولا يعدو كونه موجة تستهدف الخليج سبقتها موجات قومية وعروبية ويسارية، بما في ذلك محاولات «إخوانية»، إنما الفرق أن كل تلك الموجات خارجية المصدر ولم تستغل أبداً الدار والجار لتكون مركزاً ومنطلقاً.
قد يعود القرضاوي لخطبة الجمعة، وربما أصبحت خطبه مهادنة، وربما توقف التلفزيون الرسمي عن بثها. هذا لا يصنع فرقاً، لأن دول الخليج لم تنشغل بشأنه يوماً وليس هو مدار الاختلاف. الذي يشغلها هو نشاطه المثبت هو وأنصاره، وما يقومون به تجاهها من ممارسات لا يمكن القبول بها أو الصمت عنها، واستمرارها هو إعلان حرب له رد فعل يماثله.
يختتم القرضاوي تصريحه بالتأكيد على أنه ماضٍ في طريقه، إذ يقول: «وقد أعلنت من قبل أن مهمتي كعالم مسلم أن أؤيد الحق، وأقاوم الباطل، وأنصر المظلوم أينما كان».
حتى يمكن فهم هذا التصريح على وجهه الحقيقي لا بد من أن يعرف المرء مفهوم القرضاوي للحق والباطل ونصرة المظلوم. المؤكد أن الرياض وأبوظبي لديه لا تندرجان ضمن طائفة الحق.
القرضاوي لا يصالح بل يصرخ: «لا تصالح»!
المصدر: الحياة