كاتب سعودي متخصص في الشؤون الإيرانية
صبيحة اليوم الذي من المقرر أن يجتمع فيه وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) مع نظرائه في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن ثم الاجتماع الثلاثي الذي يجمع إلى جانب كيري كلاًّ من وزير الخارجية السعودي ونظيره الروسي، حول الاتفاق النووي والأوضاع في سورية واليمن، طالعتنا وسائل الإعلام الإيرانية -والتوقيت ليس مصادفة- بتصريح منسوب لحسين عبداللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية وشمال أفريقيا، قال فيه إنه “من الضروري عودة العلاقات بين الرياض وطهران إلى الحالة الطبيعية”. تصريح دبلوماسي وبراغماتي غير مستغرب على الساسة الإيرانيين. إلى جانب هذا التصريح، وفي اليوم ذاته، طالعتنا صحيفة “الشرق” القطرية بمقال مطول لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. عنوان المقال كان جذّاباً، كسجادة أصفهانية من الحرير الخالص والألوان الطبيعية البرّاقة: الجار ثم الدار.. توصية أخلاقية أم ضرورة استراتيجية”.
في مقدمته، أكد ظريف على أن من أولويات بلاده بناء علاقة طيبة ووطيدة مع جيرانها، مؤكدا على أن جولته بعد توقيع الاتفاق النووي التي شملت الكويت وقطر والعراق تصب في هذا المسار، وتأكيدا لهذه الاستراتيجية على حد وصف ظريف، تحدث أيضا عن أن المنطقة تمر باضطرابات ومخاطر جدية تهدد أسس المجتمع والثقافة فيها! إلا أنه لا يمكن لإيران الوقوف موقف اللامبالاة أمام الدمار الهائل في أطرافها وقد حان الوقت للتفرغ لأعمال أهم من الاتفاق النووي، وفي مقدمتها البحث عن آليات تساعد جميع دول المنطقة على اجتثاث جذور وعوامل التوتر وغياب الثقة فيها. في هذا الجزء زعم ظريف بأن بلاده تعيش حالة من الاستقرار والأمن. بعد ذلك دلف إلى النقطة الأهم في مقاله، وننقلها حرفيا حيث قال: “لا بد أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة وأهمها: احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، منع التهديد أو استخدام القوة..”.
هل يعتقد ظريف بأن القارئ بهذه السذاجة حتى يصدق أن إيران تحترم سيادة ووحدة تراب الدول واستقلالها السياسي فعلا؟ ألم يعلم أن بلاده ممثلة في الحرس الثوري وجهاز الاستخبارات، تتدخل في شؤون دول المنطقة ليل نهار؟ هل تملك الحكومة العراقية السابقة والحالية استقلالا سياسيا ومستشار الرئيس روحاني يصف بغداد بعاصمة الإمبراطورية الفارسية دون أن تنبس حكومة العبادي ببنت شفة؟ ما الدولة التي توغلت في الأراضي العراقية بمسافة 40 كلم تحت مزاعم قطع الطريق على تنظيم داعش الذي لم يشكل يوما خطرا عليها؟ ما الدولة -يا معالي الوزير- التي تزود الإرهابيين في البحرين، وباعترافات بُثت على القنوات التلفزيونية، بالسلاح وتدربهم في معسكرات الحرس الثوري في شمال إيران ووسطه وجنوبه؟ الأمر ذاته ينطبق على الحالة اليمنية.
نعود مجددا إلى النقاط التي ذكرتها في مقالك ونتساءل سويا: من هدد بتنفيذ أربعة تفجيرات في الرياض؟ ألم يكن قائد القوات البرية الإيرانية، ولماذا لم نسمع للحكومة صوتا تجاه ذلك، ولماذا صمتت أيضا تجاه مزاعم احتلال إيران أربع عواصم عربية؟ دعنا الآن ننتقل إلى الداخل الإيراني، هل فعلا إيران دولة مستقرة تماما وينعم شعبها، بكافة مكوناته العرقية والمذهبية، بالعدل والمساواة؟ ألم يخبرك قائد الحرس الثوري، يا معالي الوزير، بأن (بلوشستان) تشهد حالة من عدم الاستقرار؟ ألم يخبرك صديقك كيري بأن إحدى مؤسساتهم البحثية صنفت الخطر السياسي في إيران بـ”العالي” والخطر الأمني بـ”المتوسط”، خاصة في بعض محافظات الشعوب غير الفارسية، أم أن الاتفاق النووي يَجُبّ ما قبله؟ لماذا أخفى عليك وزير داخليتكم الاضطرابات في (كردستان والأحواز) بسبب حرمان شعوب تلك المناطق من حقوقهم الثقافية واللغوية والمذهبية؟ أرجوك يا معالي الوزير لا تنظر إلى القارئ العربي على أنه ذلك البدوي الحافي العاري الذي لا يملك أدنى مقومات الحضارة أو الثقافة والإدراك، كما يتم الترويج لذلك في بعض الأدبيات الصادرة من الداخل الإيراني، والمسيئة لحكومات وشعوب هذه الدول التي تريد طهران بناء الثقة معها، فالصندوق الإيراني لم يعد مغلقا، وما يدور في أبعد قرى إيران وأصغرها يصل بضغطة زر إلى كل متابع ومهتم!
طالبتم -يا معالي الوزير- بضرورة البدء بحل الأزمة اليمنية حيث وصفتها بالمؤلمة، وترى أن ذلك يشكل “نموذجا جيدا” لانطلاق التعاون، مكررا مقترحك الذي قدمته بعد بدء عمليات عاصفة الحزم بشهر كامل وتم رفضه جملة وتفصيلا من قبل الحكومة اليمنية. نعم الكل يريد حلاًّ للأزمة اليمنية، وهذا شغل دول الخليج الشاغل، لكن كأن معاليكم نسي أو تناسى أن هناك دمًّا يهرق في سورية منذ قرابة خمسة أعوام، وتم قتل أكثر من 200 ألف بريء من بينهم النساء والشيوخ والأطفال، وبلادك متورطة حتى أذنيها في ذلك وعلى مستويين رئيسين، أحدهما دعم بشار بالمال والسلاح، والثاني إرسال الحرس الثوري والمرتزقة من العراق وباكستان وأفغانستان إلى سورية لقتل الشعب السوري. إذا لم تعلم بذلك، فزيارة واحدة لمقابر مدينة مشهد ومقبرة الأحواز كافية بإطلاعك على عدد من قُتل في سورية وتم دفنهم في هاتين المدينتين، وعند الحرس الثوري الخبر اليقين أيضا. ودعني أسأل معاليكم: هل سمعت يوما بالبراميل المتفجرة التي تسقط على المدن السورية؟! الجنرال قاسم سليماني على علم بذلك فاسأله! وبعد هذا انظر أيهما أولى بالمسارعة بحل أزمته اليمن أم سورية؟
يا معالي الوزير، إذا كانت بلادك، بالفعل، تسعى إلى بناء الثقة المتصدعة إن لم تكن معدومة تماما، فاستمع، بأذن مصغية واعية دون غرور أو غطرسة، إلى الحقائق والأدلة والمطالب التي تملكها دول الجوار العربي، واعمل على كبح جماح “إيران الثورة” بعسكرها وباسيجها وتيارها الراديكالي، وانقل الصورة الصادقة من الجار الصادق الذي لا يغدر ولا يخون، واجعل حكومة بلادك، وأنت قائد الدبلوماسية فيها، تنتقل من الأقوال إلى الأفعال وستجد حينها قلوبا وصدورا خليجية مفتوحة، تؤمن بحسن الجوار، كيف لا وأنت عنونت لمقالك بمقولة عربية محضة، فكل عربي يؤمن بأن “الجار قبل الدار”، ولكن العرب تقول أيضا “كيف أعاهدك وهذا أثر فأسك؟!”.
المصدر: الوطن أون لاين