كاتب سعودي
من المبهج أن تجد لوحة عسكرية بالغة القوة والفخر في التوقيت المناسب، ومن دواعي الاعتزاز أن تُرسم هذه اللوحة المختلفة في بلدك، وتكون حاضنة لما يدور في هذه اللوحة من فن وتشكيل. سنمضي بعد العرض العسكري «رعد الشمال» لجملة من الأماني التي علقت بالحناجر زمناً طويلاً وكانت بعيدة من التناول أو متعذرة الاقتراب من ساحة التخيل والتأمل، وأعيد ذلك إلى أن حجم التهديدات على الخريطة بات هائلاً ومرعباً وداعياً لتضامن عربي إسلامي حقيقي وأكثر ملامسة للواقع. لم يعد من الممكن أن تواجه قوى الشر الصريحة والمستترة إلا بقبضة أكثر ثقلاً وإيماناً بأن الجراح وإن تناثرت والأوجاع وإن كانت هنا وهناك، تصب في تهديد رئيس وهو أن يظل استقرار المنطقة على المحك وتبقى طموحاتها وأمانيها أسارى لطحن أهلي وفتن مذهبية وجماعات دموية تمارس التفتيت والتفكيك للعقول قبل الأجساد.
حجم التطلعات عالٍ ورفيع، والرسائل التي تحضر برفقة هذا التلاحم والتماسك العربي الإسلامي في صورته الأكثر إسعاداً هي رسائل تفصح عن أن الرؤى باتت أكثر وأن الصمت والصبر لم يعودا كافيين لبلع المرارات والنزف المتنامي يوماً بعد يوم، لغة الجيوش أصبحت اللغة التي تحقق فهماً دقيقاً لمن لا يريد أن يستوعب التحذيرات ولا يعي جيداً أن قص الأجنحة ليس إلا صافرات إنذار مبكرة للإعلام بأن الخطوات لا تسير باتزان بل ربما تمضي في مساحات ليست مشروعة ولا مناسبة لمجرد التجول، فضلاً عن إحداث التحول فيها. لا شيء يستحق التضحيات الكبرى والنزاعات العنيفة سوى الاستقرار والأمن والعيش بسلام، ومن لا يتلذذ بهذا الثلاثي الآسر فلن يهدأ له بال إلا بعد زراعة ما من شأنه نسف هذا المثلث ولو على مراحل ومن ثم إحلال ما يجعل البلدان غير قادرة على الثبات وعرضة لاهتزازات لن تصنع منها سوى محطات للخوف والقهر.
المناورة العربية الإسلامية هي الأضخم وفي التوقيت الأسخن، ومن خلالها تستند الطموحات إلى جدار صلب، وتكون الكلمات أبلغ وأقوى. تستحق السعودية أن يصاحبها الضوء وهي تتصدر لصناعة الفارق في كثير من ملفات الإقليمين العربي والإسلامي، فهي لا تفتش عن ضوء ينقصها، لكنها تريد أن يعود الضوء لخريطة إسلامية لا ينقصها الثقل بمقدار ما ينقصها أن تكون يداً بيد إزاء أي مهدد. السعودية تمكنت طوال حضورها الثقيل الفائت من أن تعيد ترتيب كثير من المعادلات التي اعتقدت عناصر معلومة فيها أنها غير قابلة للتغير بل أصبحت مسلّمات مع سنوات الركود وعدم التشجع للمضي في منطقة دفاع واحدة. نحن قادرون وماضون ومتأهبون، هي الخط العريض من تمرين جاذب وجامع وجاد، ولعل التمرين وما يضمه من قوة على الصعيدين البشري والمادي يساهمان في أن يعيد كثير من الدول ذات العداء المعلن أو المبطن، ترتيب أوراقها وتشعر بأن الركل بات قريباً لكل من يوجد في منطقة لم تشرع له، وأن الأيادي التي تعبث بمحتويات الآخرين على وشك أن تقطع، فلعل في هذا القطع خيراً وإراحة وعبرة وعظة.
المصدر: صحيفة الحياة