كاتب في صحيفة الحياة
كيف لبلد مثل سورية، يضم 15 مليون ناخب من أصل زهاء 22 مليون مواطن، عدد النازحين منهم خارج البلاد يبلغ على الأقل 3 ملايين نسمة، و5 ملايين من النازحين داخل البلاد، وأكثر من مليوني مغترب موزعين في أربع رياح الأرض، فيبقى من الذين لازموا سورية زهاء 10 ملايين موزعين بين الولاء للمعارضة والولاء للنظام وفق مناطق سيطرة هذا وذاك، أن يقترع فيه 11 مليوناً وأكثر من 634 ألف ناخب، حصل بشار الأسد على أصوات 10 ملايين و320 ألفاً منهم؟
قد يكون التدقيق في الأرقام عملية ساذجة للدلالة على التزوير الذي اعتمدته آلة النظام الأمنية والعسكرية لمهزلة الانتخابات الرئاسية في سورية، لأن كل الحسابات التي أجرتها منظمات الأمم المتحدة وبعض منظمات المجتمع المدني كانت أفادت بأن أقصى نسبة اقتراع متوقعة في تلك المسرحية لم تكن لتتجاوز العشرين في المئة من الناخبين الـ15 مليوناً. وقد يعتبر البعض أن التدقيق في هذه الأرقام هو أشبه بصرخة في وادٍ بعيد، يستحيل سماعها من الذين يفترض أن تصل الى آذانهم. فمن يريد أن يصدق أن غالبية الشعب السوري أعادت انتخاب الأسد، لا يكتفي بصمّ الآذان، بل يرفض رؤية ما بثته شاشات التلفزة من مشاهد عن نسوة يُنزلن أكثر من ورقة اقتراع في صندوقة الاقتراع وهن يحملن أطفالاً على أيديهن، في السفارة السورية في بيروت، أو أولئك العمال السوريين الخائفين على مصيرهم الذين أخذوا يصرخون عند الحدود اللبنانية – السورية، والذين أخذوا يبالغون في التعبير عن شدة الخوف الذي صنعته التهديدات بسحب أوراقهم الثبوتية ومنعهم من زيارة أهاليهم واعتقالهم إذا تخطوا الحدود، فجاهروا بأنهم انتخبوا في السفارة السورية، قبل أيام، وحضروا مجدداً لإسقاط أوراق التأييد للأسد في الصناديق التي وضعت على الجانب السوري من الحدود مرة ثانية (وربما ثالثة).
الذين يستهزئون بالتدقيق في الأرقام لأنها محضرة سلفاً، من دون أي خجل من الاستخفاف بعقول الناس، لا يعيرون أهمية للحاجة الى التشكيك بشرعية هذه الانتخابات، لأنهم يدركون أن كل العالم لن ينخدع بها، ولاعتقادهم بأن المسرحيات التي رافقتها على شاشات التلفزة لن «تبلف» إلا الفرحين بالتمديد للأسد وللجرائم التي يرتكبها نظامه ولمواصلة سياسة الإمساك بالورقة السورية من قبل روسيا وإيران في حلبة التفاوض الدولي والإقليمي على الأزمات المتشعبة من أوكرانيا الى بحر الصين، حيث الخلاف على النفوذ على دول أوروبا الشرقية ودول الاتحاد الأورو-آسيوي بين موسكو وواشنطن وعلى الجزر المحيطة بالصين المليئة بالنفط والغاز بين حلفاء واشنطن (اليابان) والصين، وهو ورقة في التفاوض المفترض بين القوى الإقليمية على المشهد برمته، من اليمن الى العراق وسورية وفلسطين. وبالتالي الحاجة الى هذه الورقة لا تتطلب تدقيقاً في الأرقام، بما فيها أرقام القتلى السوريين والمقهورين والمعذبين والنازحين ولا في عدد البراميل المتفجرة التي سقطت في اليوم الانتخابي السوري، أو قبله وبعده.
يحلو لبعض المغتبطين بالتمديد الصوري للأسد في السلطة أن يأملوا بالمقايضة على تكريس شرعيته باعتراف موسكو بشرعية انتخاب الرئيس الأوكراني بيترو بوروشنكو، وشتان ما بين الحالتين، حيث انتخب الأخير من دون تزوير ولا تهديدات الاستخبارات ولا الخوف من استمرار حرب الإبادة. ويحلو لبعضهم أن يتمثل الاعتراف بالأسد بالتسليم الغربي بانتخاب المشير عبدالفتاح السيسي في مصر. وشتان ما بين الانتخابين. ففي سورية مارس أنصار الأسد أرخص صنوف الابتهاج بالرصاص وإجبار الناس على إقفال محالها التجارية للذهاب الى الاقتراع، فيما تخوف أنصار السيسي من انخفاض نسبة الاقتراع وأخذوا يتهيبون الحمل الثقيل لمشاكل مصر الاقتصادية والسياسية والأمنية على الحكم الجديد. ويحلو لهم أيضاً أن يعتبروا أن بقاء الأسد في السلطة موازٍ لبقاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في رئاسة الحكومة ببغداد، في وقت يُستخدم الأسد ورقة ضاغطة من أجل إبقاء المالكي في السلطة لا العكس.
واقع الحال، إذا جاز تشبيه مسرحية انتخاب الأسد، هو أن سورية وقعت في الفراغ، إذ لا سلطة مركزية فيها، بل تنازع بين مجموعات مسلحة، النظام واحد منها، هذا مع فارق بسيط أن في سورية حرباً أهلية وفي لبنان قراراً خارجياً بكبحها مهما كان الثمن. ولربما هذا مغزى زيارة جون كيري لبيروت.
المصدر: الحياة