كاتبة لبنانية
على شاطئ البحر أو في أحضان الطبيعة، على طريق فرعي، في الشارع، بل وحتى في مترو النقل العمومي. تعددت الأماكن لكن المشترك بينها كان نساء وفتيات إيرانيات كشفن رؤوسهن ولوحن بمناديلهن في الهواء بفرح، وصورن أنفسهن لتوثيق لحظات عابرة قبل أن يراهن أحد فيتعرضن للملاحقة.
سيل من الصور انهمر على صفحة «لحظات حرية مسروقة» الفيسبوكية لعشرات الإيرانيات اللاتي قررن تحدي فرض غطاء الرأس، فشاركن بصور شخصية كاشفات شعرهن للشمس والهواء في تحد صارخ للغطاء المفروض عليهن في الأماكن العامة.
لقد جمع عنوان الصفحة بين كلمتي «حرية» و«مسروقة»، والحرية حين تكون مسروقة فهي لا تعود كذلك، لكن ربما هذا تماما ما أرادت النساء الإيرانيات إظهاره في صورهن. فالجامع بينهن كان تلك الابتسامة التي تعلو وجه من يحقق نصرا ولو عابرا أو مسروقا كما وصفنه، لكنه ذلك النوع من اللحظات التي يمكن تزخيمها، وهو ما حصل عبر تلك الصفحة الفيسبوكية.
الفكرة أطلقتها الصحافية الإيرانية البريطانية «ماسيه علي نجاد»، حيث صورت نفسها في لندن تسير مبتسمة والهواء يداعب شعرها ووضعتها على «فيسبوك». تلك الصورة أشعرت إيرانيات كثيرات بشيء من الحسد على حريتهن المسلوبة فامتلأت صفحة الـ«فيسبوك» التي أسستها تلك الصحافية بصور تظهر تحديا وجرأة لم يتمكن بعد النظام الحالي، بعد 35 سنة على تأسيسه، من إخمادها رغم كل محاولاته.
المثير أن معظم من وضعن صورهن أظهرن وجوههن، ما ضاعف من التحدي للسلطة في إيران. طبعا، أتى الرد سريعا عبر الإعلام الإيراني الرسمي الذي اتهم الصحافية «علي نجاد» بأنها متآمرة وعميلة وأنها تخطط لإفساد المجتمع.
المعركة تبدو في بدايتها، إذ ما زالت أعداد الإيرانيات المنخرطات في تلك الصفحة تتضاعف يوميا رغم أنها صفحة لم تكمل الشهر بعد على تأسيسها.
هذه حالة مواجهة جديدة في إيران لهذا الصيف، إذ لم يسبق لـ«شرطة الأخلاق» أن واجهت مثل هذا النوع من التحدي. فهذا الجهاز الذي كلفه النظام الإيراني بمراقبة سلوكيات وملابس العامة يشن حملة كل عام لضبط محاولات الإيرانيات تحديدا التحايل على الطقس الحار وعلى الحجاب المفروض قسرا من خلال التفلت بعض الشيء في اللباس، فيكون عناصر تلك الشرطة بالمرصاد.
لعل البعض لا يرى في صفحة «فيسبوك» لإيرانيات كاشفات رؤوسهن أكثر من عراضة افتراضية لا انعكاس فعليا لها.
ربما.
لكن الوجه الآخر لتلك الصفحة هو ذاك التحدي المباشر لواحد من أكثر ركائز النظام الإيراني تعنتا وهو ذلك التحكم بحياة الأفراد وأشكال عيشهم خصوصا النساء.
في ظني أن أي اعتراض سياسي يواجهه النظام هو أقل إقلاقا له من صفحة «لحظات حرية مسروقة». فهنا، تصيب الصورة ما يرغبه النظام للإيرانية وللإيراني كأفراد، وتصيب ما يرغبه هذا النظام كصورة عن نفسه مسبغة على الأفراد. إنها معركة ضمنية تجري بين نظام وبين مواطن افتراضي لا قدرة ولا وسائل لدى النظام لمحاصرته.
فأي سلطة تقدر على مجابهة صور نساء شاهرات ابتساماتهن وشعرهن للماء والشمس.
فالصورة هنا تصيب مكانا في وجدان النظام أعمق من ذلك الذي يصيبه سياسيون ينتقدون سياساته العامة الاقتصادية والأمنية والخارجية.
المصدر: الشرق الأوسط