لم تسلم أي من دول المنطقة من أضرار التدخلات الإيرانية التي طالت كل أركان الإقليم وامتدت إلى سواه، غير أن لدول جوارها النصيب الأكبر من الأذى من خلال المحاولات الإيرانية المستمرة للتدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة أمنها الداخلي، عبر سياساتها المعلنة ودعمها المباشر للجماعات الإرهابية التي ظلت تهدد الاستقرار وتسعى لتخريب الأفكار قبل المؤسسات والمنشآت.
وهو الأمر الذي يجعل من طهران خطراً جاثماً في صدر المنطقة حسب مراقبين ما لم تكف عن سياساتها القائمة علي التدخل في شؤون الغير الداخلية لتحقيق أطماعها في مياه الخليج وأراضي الجوار، وكان للسودان نصيب مقدر من التهديد الإيراني عبر محاولات زرع الفتنة الطائفية والسيطرة عليه وجعله حديقة خلفية لمخططاتها الشيطانية.
فالتدخلات الإيرانية جعلتها الأداة القذرة التي ينفذ من خلالها أعداء المنطقة مشاريعهم التدميرية كما يقول المراقبون، بجانب أنها تمثل الخطر الأكبر وجودياً وعملياً لوحدة دولها، مما يستوجب حصارها وعزلها حتى تكف يدها عن سفك الدماء وصدها بكافة الوسائل والسبل المتاحة والممكنة.
تفتيت النسيج الاجتماعي
ورغم ما شهدته العلاقات السودانية الإيرانية طيلة العقدين الماضيين من تطور إلا أن الخرطوم استشعرت ما يمكن أن يجره لها التقارب مع طهران من تفتت للنسيج الاجتماعي السوداني عبر نشر أفكار مذهبية لم يعرفها السودان من قبل في أوساط السودانيين ما مثل تهديداً مباشراً للفكر الوسطي في السودان ودعا الخرطوم لإغلاق المكاتب الثقافية الإيرانية بالعاصمة والولايات.
غير أن حادثة الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد في بداية يناير من العام الماضي كانت قاصمة الظهر لما يربط بين طهران والخرطوم، حيث بادرت الخرطوم بإدانة الحادثة واعتبرتها واحدة من الممارسات العدائية الإيرانية ضد الممثلات الدبلوماسية في انتهاك واضح للقانون الدولي.
وتضامناً مع المملكة العربية السعودية في مواجهة المخططات الإيرانية، أعلنت حكومة السودان قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية، وهي الخطوة التي وجدت تأييداً كاملاً من كافة قطاعات الشعب السوداني، كما أنها وجدت ترحيباً واسعاً في أوساط القوى السياسية السودانية التي طالما اشتكت لعقود طويلة من ارتباط السودان مع إيران بالأجندة الأيديولوجية الضيقة لجماعة الإسلام السياسي والتي كانت سبباً لدفع السودان ثمناً باهظاً من العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي والوضع في قوائم الإرهاب والعزلة الدولية.
ويرى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان السوداني محمد مصطفي الضو أن بلاده لم تسلم هي الأخرى من التمدد الإيراني لولا اتخاذ إجراءات حكومية أوقفت الانتشار الإيراني في البلاد عبر إنشاء الحسينيات وهو الأمر الذي كان سيمثل تهديداً للسلم الاجتماعي في السودان والذي عرف عن مجتمعه بالاعتدال والوسطية.
واكد أن السودان ليس معزولاً عن محيطه الإقليمي باعتبار أن أي تهديد إيراني للإقليم حتماً سيتأثر به، وأضاف «وكذلك أي تهديد إيراني للمملكة العربية السعودية والبحر الأحمر يمثل تهديداً للأمن القومي السوداني» وهذا ما جعل السودان يتخذ إجراءاته بإغلاق السفارة الإيرانية وقطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران عقب تفجير السفارة السعودية في طهران.
معضلة تصدير الثورة
وعملت إيران الخمينية بكل وسعها لزعزعة الأمن والاستقرار في المحيط العربي المجاور من خلال أذرعها التي تجاوزت في الانتشار إلى ما هو أبعد من ذلك، وبات أمر التوصل إلى تسوية من خلال تحجيم الأطماع الإيرانية المتنامية في المنطقة، ويشير استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفسور حسن علي الساعوري لـ(البيان) أن الأزمة الإيرانية العربية بدأت عقب تفجر الثورة الخمينية في العام 1979نتيجة لغياب الفهم الاستراتيجي لأهداف الثورة.
و شدد على أن الأزمة الحقيقية الماثلة الآن هو سعي إيران بكل ما أوتيت من إمكانيات لتصدير ثورتها لدول جوارها من خلال مد أياديها للجماعات والطوائف في المنطقة وتقديم كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار في دول محيطها، معتبراً ذلك أكبر معضلة أمام التوصل إلى تفاهم بين إيران ودول جوارها بل ودول العالم لا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي يمثل تصدير الثورة الإيرانية مهدداً مباشراً لمصالحها في المنطقة.
تهديد الحرمين
التدخل الإيراني في المنطقة مثل الخطر الداهم على الأمتين العربية والإسلامية بحسب ما يقول برلماني سوداني لـ«البيان» والذي يؤكد بأن الأيادي الإيرانية الممتدة بسخاء لكل من يسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة ودعمها للجماعات الإرهابية ذات الأفكار المتطرفة يجعلها الخطر الأول بلا منازع.
ويشير إلى أن دعمها المتواصل للحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وتداخلاتها المريبة في سوريا مما جعل من المنطقة بؤرة ملتهبة بالصراعات، ويمضي النور إلى ان كل المناطق التي امتدت إليها الأيادي الإيرانية نشرت فيها الرعب والإرهاب غير انه شدد على ان الخطر الإيراني الأعظم يتمثل في مساعيها المتواصلة لنشر أفكارها في دول لم تعرف الطائفية الدينية من قبل ومحاولتها المستميتة لاستخدام الدين كأداة لبسط النفوذ وتفكيك المجتمعات المتماسكة.
خطر استراتيجي
ويلحظ المراقب مساعي إيران المستميتة لإثبات نفوذها في منطقة البحر الأحمر والتموضع في القرن الأفريقي، واختراق المنظومة الأمنية للبحر الأحمر، ولا يستبعدون أن محاولات طهران لجعل السودان حديقة خلفية لمخططتها الشيطانية هو استهداف المملكة العربية السعودية باعتبار أن السودان يعد بوابتها الجنوبية. وتأمين القرن الأفريقي من الاختراقات المعادية سواء تعلق الأمر بإيران، أو بالمنظمات الإرهابية يعتبر محطة مهمة في تأمين الخليج العربي، لذا لا بد من قطع أي يد تسعى للعبث بأمنه.
إجراءات
اعتبر محللون أن الخطوات التي اتخذتها دول عربية وإسلامية عدة خلال الآونة الأخيرة ضد إيران، من قطع للعلاقات الدبلوماسية، أو تخفيض للتمثيل الدبلوماسي، خطوات متأخرة، لكنها مهمة للغاية لعزل الإرهاب الإيراني، ، مؤكدين ضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد طهران، باستصحاب حملات سياسية وإعلامية واسعة للتبصير بأخطارها على أمن المنطقة.
المصدر: البيان